طباق الحياة والموت في القرآن الكريم: جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى "وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿الروم 24﴾ ومن دلائل قدرته سبحانه أن يريكم البرق، فتخافون من الصواعق، وتطمعون في الغيث، وينزل من السحاب مطرًا فيحيي به الأرض بعد جدبها وجفافها، إن في هذا لدليلا على كمال قدرة الله وعظيم حكمته وإحسانه لكل مَن لديه عقل يهتدي به.. قوله عز من قائل "فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿الروم 50﴾ فانظر أيها المشاهد نظر تأمل وتدبر إلى آثار المطر في النبات والزروع والشجر، كيف يحيي به الله الأرض بعد موتها، فينبتها ويعشبها؟ إن الذي قَدَر على إحياء هذه الأرض لمحيي الموتى، وهو على كل شيء قدير لا يعجزه شيء.
عن صفحة أساتذة العربيّة بباجة: التقابل الاعتباري: مثل قوله تعالى: "أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ" (الأنعام 122)، فليس بين الإحياء والإماتة تقابل حقيقي، لأنهما لا يتقابلان إلا باعتبار بعض الصور، وهو أن يتعلق الإحياء بحياة جرم في وقت والإماتة بإماتته في ذلك الوقت، وإلا فلا تقابل بينهما باعتبار أنفسهما،ولا باعتبار التعلق عند تعدد الوقت،ومع هذا فوجود هذا النوع من التقابل كاف في تحقيق المطابقة متى وُجد. تنبيه: اتفق البلاغيون على أن الطباق هو الجمع بين الشيء وضده.لكن وجهات نظرهم اختلفت حول الرابط بين الدلالة الاصطلاحية والدلالة اللغوية، فمنهم من فهم المطابقة بمعنى الموافقة، في حين أن الجمهور ربطها بمطابقة البعير في مشيته، فرأوا أنّ البعير قد جمع بين الرجل واليد في موطئ واحد،والرجل واليد ضدان أو في معنى الضدين، فرأوا أن الكلام الذي جمع فيه بين الضدين يحسن أن يسمى مطابقا، فدلت المطابقة عندهم على المخالفة.وشذ عنهم ابن أبي الحديد الذي فهم من المطابقة معنى المشقة،فقال:الطبق في اللغة المشقة، قال الله سبحانه: "لتركبن طبقا عن طبق" (الانشقاق 19) أي مشقة بعد مشقة،فلما كان الجمع بين الضدّين على الحقيقة شاقا بل متعذّرا،ومن عادتهم أن تعطى الألفاظ حكم الحقائق في نفسها،سمّوا كل كلام جمع فيه بين ضدين مطابقة.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "وأحيينا به بلدة ميتا" (ق 11) أي بذلك الماء الذي أنزلناه من السماء "بلدة ميتا" أي جدبا وقحطا لا تنبت شيئا فنبت وعاشت ثم قال "كذلك الخروج" من القبور أي مثل ما أحيينا هذه الأرض الميتة بالماء نحيي الموتى يوم القيامة فيخرجون من قبورهم فإن من قدر على أحدهما قدر على الآخر وإنما دخلت الشبهة على هؤلاء من حيث أنهم رأوا العادة مستمرة في إحياء الموات من الأرض بنزول المطر ولم تجر العادة بإحياء الموتى من البشر ولو أنعموا الفكر وأمعنوا النظر لعلموا أن من قدر على أحد الأمرين قدر على الآخر.. قوله سبحانه "وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ" ﴿العنكبوت 63﴾ "الله يبسط الرزق" أي يوسعه "لمن يشاء من عباده ويقدر له" أي ويضيق ذلك على قدر ما تقتضيه المصلحة وإنما خص بذكر الرزق على الهجرة لئلا يخلفهم عنها خوف العيلة "إن الله بكل شيء عليم" يعلم مصالح عباده فيرزقهم بحسبها "ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن" في الجواب عن ذلك "الله قل" يا محمد عند ذلك "الحمد لله" على كمال قدرته وتمام نعمته وعلى ما وفقنا للاعتراف بتوحيده والإخلاص في عبادته ثم قال "بل أكثرهم لا يعقلون" توحيد ربهم مع إقرارهم بأنه خالق الأشياء ومنزل المطر من السماء لأنهم لا يتدبرون وعن الطريق المفضي إلى الحق يعدلون فكأنهم لا يعقلون.
جاء في كتاب البلاغة الواضحة عن الطباق للمؤلف علي الجارم ومصطفى أمين: أمثلة: (1) قال تعالى: "أومن كان ميتا فأحييناه". (2) وقال دعبل الخزاعي: لا تعجبي يا سلم من رجل * ضحك المشيب برأسه فبكى (3) وقال غيره: علي أنني راض بأن أحمل الهوى * وأخرج منه لا عليّ ولا ليا. (4) وقال البحتري: يقيض لي من حيث لا أعلم النوى * ويسرى إلى الشوق من حيث أعلم. (5) وقال المقنع الكندي: لهم جل مالي إن تتابع لي غنى * وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا. (6) وقال تعالى: "ولكن أكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا". (7) وقال تعالى: "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت". (8) وقال السموءل بن عادياء: سلى إن جهلت الناس عنا وعنهم * فليس سواء عالم وجهول. (9) وقال الفرزدق يهجو بنى كليب: قبح الإله بنى كليب إنهم * لا يغدرون ولا يفون بجار. (10) وقال أبو صخر الهذلي: أما والذي أبكى وأضحك والذي * أمات وأحيا والذي أمره الأمر لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى * خليلين منها لا يروعهما الذعر. (11) وقال الحماسي: تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد * لنفسي حياة مثل أن أتقدما. اقرأ ما كتبه ابن بطوطة في وصف مصر وبين جمال الطباق في أسلوبه: هي مجمع الوارد والصادر، ومحط رحل الضعيف والقادر، بها ما شئت من عالم وجاهل، وجاد وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه، وشريف ومشروف، ومنكر ومعروف، تموج موج البحر بسكانها، وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها.
جاء في رحاب نهج البلاغة عن الطباق والمقابلة في خطب الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة (دراسة بلاغية دلالية) لأول للكاتب رضاته حسين صالح: وقال في ذم إبليس وتحذير الناس من إتباعه: (ولا تطيعوا الأدعياء الذين شربتم بصفوكم كدرهم وخلطتم بصحنكم مرضهم وادخلتم في حقكم باطلهم وهم أساس الفسوق وأحلامها العقوق). ان هذه المفردات الطباقية (صفوكم – كدرهم) (صحتكم – مرضهم) (حقكم – باطلكم) ساهمت في إكمال الصورة البيانية المراد التعبير عنها فهولاء الاخسّاء المنتسبون الى الأشراف والأشراف المنتسبون الى الأخيار خلطوا صافي أخلاقكم يكدر نفاقهم وسلامة أخلاقكم مرض أخلاقهم. وقال في وصف الخالق (ولا يشغله غضب من رحمة ولا تولهه رحمة من عقاب ولا يجنه البطون عن الظهور ولا يقطعه الظهور عن البطون قرب فتأى وعلا فدنا وظهر فبطن وبطن فعلى ودان ولم يدن). نرى إنّ الطباقات متتالية لا يوجد فاصل بينها لان الفاعل واحد وهو الله تعالى وهذا ما أراد الإمام بيانه فالطباق بين (غضب ورحمة) (ورحمة وعقاب) (البطون والظهور) (قرب – نأى) (علا – دنا) (ظهر – بطن) (بطن – علم) وختم النص بطباق السلب (دان – ولم يدن). وقال في موضع آخر (فمنهم الغرق الوبق ومنهم الناجب على بطون الأمواج تحفزه الرياح بأذيالها وتحمله على أهوالها فما غرق فليس بمستدرك دماتها منها فالى مهلك). فالذي غرق لم يدركه احد فليس بمستدرك والناجي ونجاته مؤقتة لان مصيره الهلاك ما دامت الدنيا بهذا الشكل فينبغي الاستعداد والحذر منها وجاء بالتشبيه للدنيا وعدم استقرارها بأهلها بميدان السفلية من تشبيه بليغ حذفت فيه أداة التشبيه. ومن خطبة له في الوعظ والإرشاد كلام موجز صوره واضحة (لمن اخذ بالتقوى عزبت عنه الشدائد بعد دنوها واحلولت له الأمور بعد مرارتها وانفرجت عنه الامواج بعد تراكمها واسهلت له الصعاب بعد أنصابها وهطلت عليه الكرامة بعد نضوبها ووبلت عليه البركة بعد ارذاذها). توالت الطباقات التي رصفت مفرداتها في جمل فعلية وعطفت بعضها على بعض في سجع واحد أضفى روعة ومهابة على النص. نجد أن الغالب على الطباق الوارد هو طباق الإيجاب وقليلا ما ورد طباق السلب ولم يات هذا الفن بمعزل عن الفنون البديعية الأخرى بل جاء متداخلا معها تارة ومجاورا لها تارة أخرى للفنون البديعية والبيانية لتكتمل الصورة الفنية.
|