الرخاءُ الماديُّ في الدولةِ المهدوية
تُمثِّلُ السعادةُ في جانبِها المادي مطلبًا واقعيًا عند أكثرِ الناس، وهم من أجلِ الحصولِ على شيءٍ من تلك السعادة –ولو بنظرهم- يسعونَ جاهدين في مُختلفِ جوانبِ الحياة، والقرآنُ الكريمُ لم يغفلْ هذه الحقيقة، خصوصًا أنَّ جانبًا مهمًا من جوانبِ الدينِ مُرتبطٌ بالتموّلِ المادي، ولذا لزمَ على الأغنياءِ أنْ يخرجوا قسمًا ممّا رزقهم اللهُ (تعالى) ليواسوا به فقراءَ جلدتهم، يقولُ أميرُ المؤمنين: إنَّ اللهَ (سبحانه) فرضَ في أموالِ الأغنياءِ أقواتَ الفقراءِ، فما جاعَ فقيرٌ إلا بما مُتِّعَ به غنيٌّ، واللهُ (تعالى) سائلُهم عن ذلك.
ومن هُنا فقد أوّلَ بعضهم تأكيدَ القرآنِ الكريمِ على النِعَمِ الماديةِ في الجنة –من طعامٍ وحورِ عينٍ وما شابه- على أنّه من بابِ التماهي مع رغباتِ الأفرادِ في الدنيا، وهي طبعًا رغباتٌ مُباحةٌ لا إشكالَ فيها إذا تمَّ الانضباطُ فيها وفقَ القانونِ السماوي.
والمُلاحظُ: أنَّ الناسَ لم يصِلوا إلى مرحلةٍ تامةٍ من الرفاهِ المادي في الحياةِ الدنيا، ليس الأفراد، وإنّما عمومُ الناس، فما زالتِ الدُنيا مُذ وُجِدتْ والأغنياءُ فيها هم القِلّة، يُقابلُهم كثرةٌ كاثرةٌ من الفقراء، ومن ثَمَّ فما زالتِ المُشكلةُ الاقتصاديةُ تُمثِّلُ واحدةً من أخطرِ المشاكلِ التي تعصفُ بالناسِ ليلَ نهار.
وفي جنةٍ أرضيةٍ دُنيوية، تحكي لنا الرواياتُ الشريفةُ عن رفاهٍ ماديٍ على أعلى مُستوياته، ذلك عندما يؤذَنُ لمهدي الأُمَمِ وأملِها بأنْ يظهرَ ويملأها قسطًا وعدلًا ورفاهًا.
والرواياتُ تُصوِّرُ ذلك الرفاهَ بأروعِ تصوير، في لوحةٍ تكادُ تكونُ حُلُمًا لولا أنّ المُتحدِّثَ لا ينطقُ عن الهوى، والصورُ في ذلك كثيرةٌ، نذكرُ منها الآتي:
الصورة الأولى: انعدامُ الفقرِ تمامًا، بحيث لا يجدُ المُتصدِّقُ من يتصدّقُ عليه، ولا يجدُ صاحبُ زكاةٍ مُستحقًا يأخذُ زكاته منه.
روى المفضل بن عمر قال: سمعتُ أبا عبدِ الله يقول: إنَّ قائمَنا إذا قامَ أشرقتِ الأرضُ بنورِ ربِّها... ويطلبُ الرجلُ منكم من يصله بماله ويأخذُ منه زكاته فلا يجدُ أحدًا يقبلُ منه ذلك، استغنى الناسُ بما رزقَهم اللهُ من فضله.
الصورة الثانية: القناعةُ التامةُ عن الأخذِ من المال، بحيث يُنادي الوالي على بيتِ المال: هل من راغبٍ في مال؟! فلا يجدُ مُجيبًا!
عن أبي سعيدٍ الخدري، قال: قالَ رسولُ الله:«أُبشِّرُكم بالمهدي، يُبعَثُ في أُمَّتي على اختلافِ من الناسِ وزلازل، فيملأُ الأرضَ قسطًا وعدلًا كما مُلِئَتْ ظلمًا وجورًا، يرضى به ساكنُ السماء، يُقسِّمُ المالَ صحاحًا»، قلنا: وما الصحاح؟ قال: «بالسويَّةِ بين الناس، فيملأُ اللهُ قلوبَ أُمَّةِ محمّدٍ غنى، ويسعهم عدلُه، حتَّى يأمر مُناديًا فيُنادي: من له في مالٍ حاجة؟، قال: فلا يقومُ من الناسِ إلَّا رجلٌ فيقول: أنا، فيقول له: ائتِ السادن - يعني الخازن -، فقل له: إنَّ المهديَ يأمرُك أنْ تُعطيني مالًا، فيقول له: اُحثُ -يعني خُذْ -، حتَّى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم، فيقول: كُنتُ أجشعَ أُمَّةِ محمّدٍ نفسًا، أوَ عجز عنّي ما وسعهم؟، قال: فيردّه، فلا يُقبلُ منه، فيقال له: إنّا لا نأخذُ شيئًا أعطيناه».
الصورة الثالثة: راحةُ البالِّ التامةُ من الديونِ التي تقضُّ مضاجعَ الكثيرِ من الناسِ اليوم، بحيث تعملُ الدولةُ المهدويةُ -أولَ ما تعملُ- على سدادِ جميعِ ديونِ المؤمنين وفكِّ رقابهم من تبعاتها.
روي أن المفضَّلَ قال للإمامِ الصادق: «يا مولاي، من ماتَ من شيعتِكم وعليه دينٌ لإخوانه ولأضداده كيفَ يكون؟ قالَ الصادق: أوَّلُ ما يبتدئُ المهديُ أنْ يُنادي في جميعِ العالم: ألَا من له عندَ أحدٍ من شيعتنا دَينٌ فليذكره، حتَّى يردَّ الثومةَ والخردلة، فضلًا عن القناطيرِ المُقنطرة من الذهبِ والفضَّةِ والأملاك، فيوفّيه إيّاه».
الصورة الرابعة: إنَّ العطاءَ سيكونُ هنيئًا من الدولة، وعلى دفعاتٍ نصفِ شهريةٍ ونصفِ سنوية، بحيث يكونُ مُعدّلُ الدخلِ لدى الفرد عاليًا جدًا.
عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر أنَّه قال: «كأنَّني بدينكم هذا لا يزالُ مُتخضخضًا يفحصُ بدمه ، ثمّ لا يردّه عليكم إلَّا رجلٌ منّا أهل البيت، فيُعطيكم في السنةِ عطاءين، ويرزقكم في الشهرِ رزقين..».
وعلى كُلِّ حالٍ، فإنَّ الرفاهَ الماديَّ يصلُ إلى أعلى مراتبه، بحيث يتمنّى الأحياءُ أنْ يكونَ الأمواتُ أحياءً ليروا ما هم فيه، فعن أبي سعيدٍ الخدري عن النبي قال: «يرضى عنه ساكنُ السماءِ وساكنُ الأرض، ولا تدعُ السماءُ من قطرها شيئًا إلا صبّته، ولا الأرضُ من نباتها شيئًا إلا أخرجته، حتى تتمنّى الأحياءُ الأمواتَ».
الصورة الخامسة: إنَّ الدُنيا ستجودُ بما لديها من خيراتٍ سماويةٍ وأرضية، بحيث لا تُبقي من خيراتِها شيئًا إلّا وتجودُ به على الناس، وذلك ببركةِ وجودِ الإمامِ المهدي فيهم.
عن أبي سعيد الخدري عن النبي، قال: تنعمُ أمّتي في زمنِ المهدي نعمةً لم ينعموا مثلَها قط، تُرسَلُ السماءُ عليهم مدرارًا، ولا تدَعُ الأرضُ شيئًا من النباتِ إلا أخرجته، والمالُ كدوس ، يقومُ الرجلُ يقول: يا مهدي أعطني، فيقول: خُذ.
|