لم يختلف المسلمون في أمر كما اختلفوا في أمر الخلافة والحكم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم تحدث فتنة بين المسلمين كما حدث بعد رسول الله ;(صلى الله عليه وآله وسلم )
وقد ذهب المسلمون مذاهب شتى في الرأي والمعتقد ،الا أن الذي يلفت النظر حقا في هذه الفتنة ،الاي لم تخمد جذوتها بعد أن المسلمين مهما اختلفوا في شي فلم يختلفوا عن أصل وجوب إقامة الحكم الاسلامي بين المسلمين , ;ومبايعة حاكم من بين المسلمين , يحكم بينهم بكتاب الله وسنة رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم )
وهو أمر عجيب حقاً , ملفت للنظر , فقد كانت المسألة من الوضوح عند المسلمين حداً لا يقبل أدنى تشكيك . فلم يحدثنا التاريخ أن واحداً من المسلمين كان يقول , أو يرى في السقيفة التي احتدم المسلمون فيها في أمر الخلافة , أن لا حاجة إلى الخليفة أو حاكم , وبوسع المسلمين أن يعيشوا كما كانوا في الجاهلية من غير خلافة أو إمامة إسلامية .
واستمرت مسألة اصالية الحاكمية في الإسلام , ووجوب الالتفاف حول الحاكم الإسلامي ومبايعته وطاعته أمراً لا يشك فيه أحد , وإن كان الشك يراود المسلمين كثيراً , وفي الشروط التي تؤهل أصحابها لتسلم الحكم فيما بين المسلمين .
ان اصالية الحاكمية في هذا الدين كانت تحظى - حتى سقوط الخلافة العثمانية - بوضوح كامل لدى جمهور المسلمين, ولم يكن أحد من يفكر يومذاك , إن الدين شيء والدولة شيء غريب عن الدين , ولا يتصل به بسبب , وأن من الجائز أن يحافظ المسلمون على دينهم بينما يحكمهم حاكم كافر , وينظم حياتهم قانون غريب عن تراث هذه الأمة وفقهها .
التآمر على الدين
<p>ولم يختف هذا الوضوح , إلا بعد جهد كبير بذله الاستعمار في تغيير ملامح هذا الدين لدى العامة من المسلمين , وتحويله إلى دين يشبه المسيحية ( التي تؤمن بها أوروبا وافريقيا ) يقنع من الأرض بما تحيطه جدران الكنائس , ويقنع من حياة الناس بالساعات القلية التي يقضيها الناس في هذه الكنائس من أيام الآحاد , ويقنع من الإسهام في الحياة الاجتماعية , بما تتطلبه تقاليد الاجتماعية حين يموت أحد ويجري تشييعه ودفنه .
وقد حاول الاستعمار أن يعطي نفس الطابع للإسلام في نظر المسلمين , ويفقده أصالته و حيويته , واهتمامه الكبير بمسائل الحياة وشؤونها , ويفصل الدين عن الدولة وعن شؤون الحياة الأخرى . ومنذ ذلك التاريخ أخذ هذا الوضوح بالاختفاء , وأخذ المسلمون - في الغالب – لا يعون من الدين إلا هذه الطقوس التي تجري أحياناً عن ايمان وإخلاص , وتجري أحياناً أخرى كعادات وتقاليد اجتماعية لابد من الإتيان بها .
ولا يستعيد المسلمون كيانهم وشخصيتهم على وجه الأرض , ولا يمكن أن تنطلق هذه الدعوة في تحقيق رسالة الله , وألا حينما يعي المسلمون حقيقة دينهم , وواقع هذه الرسالة , وألا حينما ينبثق من هذا الوعي قوة إسلامية على وجه الأرض , وكيان اجتماعي وسياسي ذو جذور وأبعاد رسالية وعقائدية
من كتاب
الفصل بين الدين والدولة
|