سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم
شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{18}
يشهد الباري عز وجل لنفسه , ويبين ان لا اله يستحق العبادة سواه , ويشهد على شهادته جل وعلا شهادتين مميزتين :
1- ( َالْمَلاَئِكَةُ ) : خلق من خلق الله تعالى , لا يعصونه طرفة عين .
2- ( وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ ) : وهم الانبياء (ع) وايضا الراسخين في العلم الذين ذكروا في الاية السابقة .
يروى لهذه الاية خواص كثيرة , ومنافع عجيبة , في الدنيا والاخرة , اذا قرأت دبر كل صلاة مفروضة .
إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ{19}
ان الدين الذي فرضه وارتضاه الله تعالى من خلقه , الايمان به وحده , والتسليم لاوامره عز وجل , واتباع كل ما جاء به الرسل والانبياء من عنده , فتثبت الاية الكريمة ان الدين الاسلامي ليس دينا جديدا اتى به النبي محمد (ص) , بل هو دين جميع الرسل والانبياء الذين سبقوه .
فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ{20}
تذكر الاية الكريمة خصمين لدودين للدين الاسلامي , كانوا من اشد اعداء الرسول الكريم محمد (ص) :
1- ( لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ ) : وهم اليهود والنصارى .
2- ( وَالأُمِّيِّينَ ) : مشركي العرب .
فتوجه الاية الكريمة النبي محمد (ص) ان يعرض عليهم الاسلام كما امره به عز وجل , ويخيرهم بين امرين :
1- ( فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ ) .
2- ( وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ ) .
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{21}
يروى ان اشد الامم فتكا بالانبياء والرسل كانوا بني اسرائيل , فتذكر الاية جوانب من افعالهم :
1- ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ) : فقد كفروا بجميع ايات الله تعالى ( الكتب – المعجزات ) .
2- ( وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ) : تروي الاية الكريمة انهم قتلوا أنبياءهم (ع) و قاتلوهم .
3- ( وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ ) : كما انهم لم يكتفوا بذلك , فقاتلوا وقتلوا الصالحين من الناس .
يلتفت المتأمل في الاية الكريمة الى انها اختتمت بــ ( فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) , فقد اوردت العذاب بنحو البشارة , وفي ذلك استهزاء وتهكم بهم ! .
أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ{22}
كل انسان مهما كان فاسقا او فاجرا او كافرا , لابد وان يكون لديه بعضا من الحسنات واعمالا خيرية , فتشير الاية الكريمة الى ان كافة حسناته واعماله الخيرة قد ابطل ثوابها , ولن تعود عليه بالخير لا في الدنيا ولا في الاخرة ( او ربما ينال جزءا من ثوابها في الدنيا فقط ) , طالما وانه لم يؤمن بالله تعالى وكتبه ورسله ! .
الملفت للنظر , ان الاية الكريمة اختتمت بــ ( وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ) , في ذلك اشارة الى ان يكون الناصر والمحامي عن الانسان في عدة امور نذكر منها على سبيل المثال , لا على سبيل الحصر :
1- الايمان بالله تعالى والملائكة والانبياء والرسل و الكتب المنزلة .
2- الحسنات .
3- كافة اعمال الخير .
4- الاخلاق الحميدة
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ{23}
يروى ان سبب نزول الاية الكريمة , تحاكم اثنين من اليهود بقضية زنى الى النبي محمد (ص) فحكم (ص) بالرجم , فأعترضوا على الحكم , ولما جيء لهم بالتوراة فوجدوا فيها حكم الرجم ايضا , اعتراهم الغضب وانصرفوا معرضين ! ( تفسير الجلالين , للامام جلال الدين السيوطي ) .
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ{24}
تروي الاية الكريمة سبب اعراض هؤلاء , وهو اعتقادهم ان النار لن يعذبوا بالنار الا اياما قليلة , حيث كان هذا الاعتقاد ناشئ من تلاعبهم وتحريفهم في امور الدين .
فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ{25}
تشرح الاية الكريمة للرسول الكريم (ص) , حال هؤلاء يوم القيامة , فتوفى كل نفس ما كسبت , وتتحقق العدالة الالهية , حيث لا يظلم احد , عندها سيكتشفون انهم لم يكونوا على صواب , ولن تمسهم النار اياما معدودة كما زعموا , بل سيخلدون فيها , لكن هذا سيكون بعد فوات الاوان ! .
|