من الأيام الإسلامية المهمة التي يحتفي بها المسلمون هو (يوم المبعث النبوي)، بل هناك أعمال عبادية خاصة به ..
-١-
ولو تحدثنا عن هذا اليوم من زاوية اجتماعية تربوية، وليس من زاوية عقائدية، لرأينا وجوب الاحتفاء للبشرية بمثل هذه الأيام التي تمرُّ عليها في تاريخها الإنساني، وهذا الوجوب هو الوجوب العقلي الذي يفرضه العقلاء على أنفسهم؛ لأنهم وفقًا لهذه الصفة الكبيرة العظيمة (عقلاء)، والتي تشرَّفت بالعقل يبحثون في كُلِّ آنٍ عن نظام يحقق لهم سعادتهم المادية والمعنوية، فحقيقة النظام عندهم تحقيق السعادة، وهذه السعادة لا تتحقق إلا بنظام متكامل يضمن لهم الحقوق وعدم التعدِّي عليها ..
-٢-
ولو بحثنا في النص القرآني لنرى هل يمكنه أنه يحقق ذلك للبشرية بتجرُّدٍ عن العقيدة كما يريده العقلاء غير المسلمين عامة؟
لكان الجواب من العقل: نعم إنه يحقق ذلك في أوسع أبوابه على المستوى الفردي والمجتمعي، والأمثلة فيه كثيرة، ويمكن بيان بعضها إثارة للعقلاء في البحث بأنفسهم عن غيرها، ومعرفة مدى ملائمتها للعقل السليم الخالي من شوائب الأنظمة البشرية التي تؤسس للأنانية الفردية والمجتمعية المادية، بعيدة عن الجانب المهم للإنسان وهو الروح، والمعاني السامية التي تلتذ بها ..
-٣-
ومن تلك الأمثلة على مستوى الفرد والمجتمع بعجالة:
١- ✍🏻تكريم الإنسان بالعلم، فالعلم غاية مقدسة عند العقلاء، بل عند جميع الأمم، وهذه أول أنوار البعثة في القرآن الكريم.
قال تعالى: ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)).
لقد ذكر جميع المفسرين أنَّ هذه الآيات أول كلمات السماء إلى الأرض، أي أول وحي الله تعالى لعباده، وهو يدعو إلى العلم والمعرفة، والذي بهما يخرج الإنسان من الظلمات إلى النور، من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة، فلنتأمل في بعض مفردات هذا النص (اقرأ، خلق، علَّم، بالقلم، ما لم يعلم)، أليست هذه المفردات هي من أهم المفردات التي تؤسس للمعرفة عند العقلاء؟
أليست الأنظمة البشرية والفلسفات التربوية تدعو إلى ذلك، وتقدِّس مؤسسيها، والداعين إليها، وتحتفي بنظرياتهم وأيامهم وإنجازاتهم؟!!
فهذا هو اليوم (المبعث النبوي) الذي انطلقت الدعوة والتأسيس والتبشير إلى ما يفخر العقل به، فلماذا لا يتم الاحتفاء به!! وقد حقق دعوة العقلاء، وساعد عليها؟!!
٢-✍🏻 تكريم الإنسان بالأخلاق والتربية، وهما من أهم دعوات العقلاء، والنظريات والفلسفات التربوية المختلفة القديمة والحديثة، ومنها ينطلق بناء القِيَم والمبادئ.
قال تعالى: ((يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)).
فلو تأملنا في ألفاظ هذا النص المبارك (الذكر، الأنثى، الشعوب، القبائل، الكرامة، التقوى) أليست كل تلك تؤسس لمجتمع قائم على نظام متكامل متكافل فيما بينه، لا فرق في الدعوة فيه بين الرجل والمرأة؟!
أليس في النص تأسيس لمبدأ أخلاقي تربوي كبير قائم على التعارف بين الأمم في العادات والمعرفة والتبادل بينهم، وتحقيق كرامة الإنسان في المجتمع؟!!
بل فيه تأسيس بكُلِّ صراحة إلى تحصين المجتمع من الانحرافات المختلفة بالاتقاء عمَّا يدعو إلى الإهانة والاستهتار بحقوق الآخرين، والاحترام المتبادل، وهذه من أهم حقوق الإنسان، والتعايش والتربية التي يدعو إليها -المفروض- العقلاء في أنظمتهم العالمية؟!!
فلماذا لا يتم الاحتفاء بمثل هذا اليوم (المبعث النبوي) الذي حقق للعقلاء دعواتهم، وساعد عليها؟!!
وهناك أمثلة كثيرة ومختلفة، تؤكد عالمية القرآن ودعوته في تحقيق سعادة البشرية كلها.
وإلى لقاء قادم في العام الجديد إنْ شاء الله تعالى -إنْ تجدد اللقاء- بيوم تكريم الإنسان والتأسيس له في المبعث النبوي الشريف والسلام🌷