تكملة للحلقة السابقة جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن العرش: "إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" ﴿الأعراف 54﴾ استوى على العرش: إستواءً بالمعنى اللائق به سبحانه. ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ: استواءً يليق بجلاله سبحانه. إن ربكم أيها الناس هو الله الذي أوجد السموات والأرض من العدم في ستة أيام، ثم استوى سبحانه على العرش أي علا وارتفع استواءً يليق بجلاله وعظمته، يُدخل سبحانه الليل على النهار، فيلبسه إياه حتى يذهب نوره، ويُدخل النهار على الليل فيذهب ظلامه، وكل واحد منهما يطلب الآخر سريعًا دائمًا، وهو سبحانه الذي خلق الشمس والقمر والنجوم مذللات له يسخرهن سبحانه كما يشاء، وهنَّ من آيات الله العظيمة. ألا له سبحانه وتعالى الخلق كله وله الأمر كله، تعالى الله وتعاظم وتنزَّه عن كل نقص، رب الخلق أجمعين. قوله سبحانه "فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ" ﴿التوبة 129﴾ الْعَرْشِ: الْ اداة تعريف، عَرْشِ اسم، العَرْشِ العَظيم: العرش سقف المخلوقات. فإن أعرض المشركون والمنافقون عن الإيمان بك أيها الرسول فقل لهم: حسبي الله، يكفيني جميع ما أهمَّني، لا معبود بحق إلا هو، عليه اعتمدت، وإليه فَوَّضْتُ جميع أموري؛ فإنه ناصري ومعيني، وهو رب العرش العظيم، الذي هو أعظم المخلوقات. قوله جل جلاله "إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ" ﴿يونس 3﴾ الْعَرْشِ: مخلوق عظيم أعظم المخلوقات و سقفها و هو ياقوتة حمراء. استوى على العرش: استواءً يليق به سبحانه. إن ربكم الله الذي أوجد السموات والأرض في ستة أيام، ثم استوى أي علا وارتفع على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، يدبر أمور خلقه، لا يضادُّه في قضائه أحد، ولا يشفع عنده شافع يوم القيامة إلا من بعد أن يأذن له بالشفاعة، فاعبدوا الله ربكم المتصف بهذه الصفات، وأخلصوا له العبادة. أفلا تتعظون وتعتبرون بهذه الآيات والحجج؟
جاء في معاني القرآن الكريم: عرش العرش في الأصل: شيء مسقف، وجمعه عروش. قال تعالى: "وهي خاوية على عروشها" (البقرة 259)، ومنه قيل: عرشت الكرم وعرشته: إذا جعلت له كهيئة سقف، وقد يقال لذلك المعرش. يعرشون: يبنون الأبنية. وقيل يرفعون دوالي الأعناب على الخشب. وكان عنبهم غير معروش. وقيل: العروش هنا السقوف. قال تعالى: "معروشات وغير معروشات" (الانعام 141)، "ومن الشجر ومما يعرشون" (النحل 68)، "وما كانوا يعرشون" (الاعراف 137). قال أبو عبيدة (راجع: مجاز القرآن 1/227): يبنون، واعترش العنب: ركب عرشه، والعرش: شبه هودج للمرأة شبيها في الهيئة بعرش الكرم، وعرشت البئر: جعلت له عريشا. وسمي مجلس السلطان عرشا اعتبارا بعلوه. قال: "ورفع أبويه على العرش" (يوسف 100)، "أيكم يأتيني بعرشها" (النمل 38)، "نكروا لها عرشها" (النمل 41)، "أهكذا عرشك" (النمل 42)، وكني به عن العز والسلطان والمملكة، قيل: فلان ثل عرشه. وعرش الله: ما لا يعلمه البشر على الحقيقة إلا بالاسم، وليس كما تذهب إليه أوهام العامة؛ فإنه لو كان كذلك لكان حاملا له، تعالى عن ذلك، لا محمولا، والله تعالى يقول: "إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده" (فاطر 41)، وقال قوم: هو الفلك الأعلى والكرسي فلك الكواكب، واستدل بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما السموات السبع والأرضون السبع في جنب الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة والكرسي عند العرش كذلك) (الحديث عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم؟ قال: (آية الكرسي)، ثم قال: (يا أبا ذر ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة). أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص 511؛ وابن أبي شيبة في كتاب العرش ص 77. وهو ضعيف) وقوله تعالى: "وكان عرشه على الماء" (هود 7)، تنبيه أن العرش لم يزل منذ أوجد.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُورَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ" (النمل 26) العرش سرير الملك الذي عظمه الله ورفعه فوق السماوات السبع وجعل الملائكة تحف به وترفع أعمال العباد إليه وتنشأ البركات من جهته فهو عظيم الشأن كما وصفه الله تعالى وهو أعظم خلق الله تعالى. قوله سبحانه "سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ" (الزخرف 82) أي تنزيها لمالك السماوات والأرض وخالقهن وخالق العرش ومدبره عما يصفونه به من اتخاذ الولد لأن من قدر على ذلك استغنى عن اتخاذ الولد.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى: "وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ" (يوسف 100) إلى آخر الآية، العرش هو السرير العالي ويكثر استعماله فيما يجلس عليه الملك ويختص به، والخرور السقوط على الأرض والبدوالبادية فإن يعقوب كان يسكن البادية. وقوله: "ورفع أبويه على العرش" أي رفع يوسف أبويه على عرش الملك الذي كان يجلس عليه ومقتضى الاعتبار وظاهر السياق أنهما رفعا على العرش بأمر من يوسف تصداه خدمه لا هو بنفسه كما يشعر به قوله: "وخروا له سجدا" فإن الظاهر أن السجدة إنما وقعت لأول ما طلع عليهم يوسف فكأنهم دخلوا البيت واطمأن بهم المجلس ثم دخل عليهم يوسف فغشيهم النور الإلهي المتلألىء من جماله البديع فلم يملكوا أنفسهم دون أن خروا له سجدا. وقوله: "وخروا له سجدا" الضمير ليوسف كما يعطيه السياق فهوالمسجود له، وقول بعضهم: إن الضمير لله سبحانه نظرا إلى عدم جواز السجود لغير الله لا دليل عليه من جهة اللفظ، وقد وقع نظيره في القرآن الكريم في قصة آدم والملائكة قال تعالى: "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ" (طه 116) والدليل على أنها لم تكن منهم سجدة عبادة ليوسف أن بين هؤلاء الساجدين يعقوب عليه السلام وهو ممن نص القرآن الكريم على كونه مخلصا بالفتح لله لا يشرك به شيئا، ويوسف عليه السلام وهو المسجود له منهم بنص القرآن وهو القائل لصاحبيه في السجن: ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ولم يردعهم. فليس إلا أنهم إنما أخذوا يوسف آية لله فاتخذوه قبلة في سجدتهم وعبدوا الله بها لا غير كالكعبة التي تؤخذ قبلة فيصلي إليها فيعبد بها الله دون الكعبة، ومن المعلوم أن الآية من حيث إنها آية لا نفسية لها أصلا فليس المعبود عندها إلا الله سبحانه وتعالى، وقد تكرر الكلام في هذا المعنى فيما تقدم من أجزاء الكتاب. ومن هنا يظهر أن ما ذكروه في توجيه الآية كقول بعضهم: إن تحية الناس يومئذ كانت هي السجدة كما أنها في الإسلام السلام، وقول بعضهم: إن سنة العظيم كانت إذ ذاك السجدة ولم ينه عنها لغير الله بعد كما في الإسلام، وقول بعضهم: كان سجودهم كهيئة الركوع كما يفعله الأعاجم كل ذلك غير وجيه.
جاء عن مركز الأبحاث العقائدية: لقد ورد ذكر العرش في الآيات القرآنية وفي كثير من الأدعية والروايات عن المعصومين عليهم السلام، والذي نختلف فيه عمّا يقوله آخرون، أنّهم يصوّرون العرش بالمعنى الظاهري، أي: كرسي كبير له أربعة قوائم مثلاً، وهكذا ويصوّرون أنّ الله جالس عليه، ونحن لا نقول بذلك، لأنّه يستلزم الكثير من المحاذر، منها: أنّ كلامهم سيستلزم الجسمية والمحدودية والمكان والحدوث، وما إلى ذلك. وما نقوله نحن في العرش تبعاً لأهل البيت عليهم السلام: انّه هو العلم. فعن حنان، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العرش والكرسي؟ فقال عليه السلام: (إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة له في كلّ سبب وصنع في القرآن صفه على حدة، فقوله: ربّ العرش العظيم يقول: ربّ الملك العظيم، وقوله الرحمن على العرش استوى، يقول على الملك احتوى، وهذا علم الكيفوفية في الأشياء، ثمّ العرش في الوصل مفرد عن الكرسي، لأنّهما بابان من أكبر أبواب الغيوب، وهما جميعاً غيبان، وهما في الغيب مقرونان، لأنّ الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع، ومنه الأشياء كلّها، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحدّ والمشيه، وصفة الإرادة، وعلم الألفاظ، والحركات، والترك وعلم العود والبدء، فهما في العلم بابان مقرونان، لأنّ ملك العرش سوى ملك الكرسي، وعلم الغيب من علم الكرسي، فمن ذلك قال ربّ العرش العظيم، أي صفته أعظم من صفة الكرسي. فعلى هذا فالعرش هو العلم الذي لا يقدر قدره أحد) (انظر تفسير الميزان 2: 339). وتكون الرواية التي فيها مكتوب على ساق العرش الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة، جاءت على الرمز، ويجب أن نفهمها على ضوء ما تقدم من معنى العرش والكرسي، فلا تكون (ساق العرش) قد جاءت على الحقيقة، ولا لفظة (مكتوب) قد جاء على الحقيقة أيضاً، وإنّما إذا كان العرش هو العلم فإنّ من ضمن هذا العلم الغيبي الإلهي أنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة، وعبّر عن هذه الضمنية بأنّه مكتوب على ساق العرش. ورد عن امير المؤمنين عليه السلام: (ان الملائكة تحمل العرش وليس العرش كما تظن كهيئة السرير ولكنه شيء محدود مخلوق مدبر وربك عز وجل مالكه لا انه عليه ككون الشيء على الشيء وامر الملائكة بحمله: يحملون العرش بما اقدرهم عليه). فظهر من هذا الحديث الشريف ان الله تعالى لايكون محمولا ولا حاملا بل مالكا للعرش واما الاستواء على العرش فلا يعني الجلوس عليه بل الاحاطة به وفسر العرش كذلك بالعلم وذكر ان حملة العرش بالمعنى الثاني هم اربعة من الاولين واربعة من الاخرين وفي رواية اخرى اربعة من السماء واربعة من الارض. وفي الحديث: حملة العرش ثمانية: اربعة من الاولين واربعة من الاخرين فاما الاربعة من الاولين فنوح وابراهيم وموسى وعيسى واما الاربعة من الاخرين فمحمد وعلي والحسن والحسين.
|