استثمار مناسبات المعصومين عليهم السلام في تحليل بعض الأبعاد الظاهرة لنا من شخصياتهم .. أعتبرها نوع من الاحتفال والاحياء الواعي لهذه المناسبات ..
ولعلّ ذكاء أمير المؤمنين من أبرز الصفات التي عُرفت عنه صلوات الله عليه وميّزته عن غيره ، إضافة الى صفات أخرى ، كالعلم والشجاعة والتقوى .. الخ .
ولهذا .. فإن المسلمين لا يشككون بأي مسألة معقّدة يّنسب حلّها وفك لغزها وطلسمها الى أمير المؤمنين ، وهذا القبول وبأريحية تامّة دليل على ثبوت صفة الذكاء له جيلاً بعد جيل ..
وطبعاً هذا ناتج عن أصل وجود صفة الذكاء العالي عنده عليه السلام وصحّة بعض الأخبار التي تتحدث عن مسائل قد عجز عنها غيره وصحّة شهادات وردت بحقّه سواء من قبل رسول الله صلى الله عليه واله أو من الصحابة ، من قبيل قول عمر بن الخطاب ( لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن ) ، أو ما يصف به نفسه عليه السلام - وهو الصادق - من قبيل ( سلوني قبل أن تفقدوني ) وغيرها ..
وهو عند العامّة يسمّى ب ( حلال المشاكل ) ، وينادونه بنداء ( ناد علياً مظهر العجائب .. ) ، ولهذه التسمية أخبار وتجارب ثابتة عند أهلها ، فهو عندهم حاضر في كل شدّة ومعضلة ، ويتساوى موته مع حياته ..
ولهذا فإننا هنا ليس في مقام الإثبات وإنما في مقام التحليل وتسليط الاضواء على هذا الجانب المهم والبارز من شخصيته عليه السلام وبحدود ما نستحق من توفيق لذلك ..
***
الذكاء مصدر ذَكا ، ذكاءُ النَّار : شدّة وهجِها ، ذكاءُ الإِنسان : قدرتُهُ على الفهم والاستنتاج والتحليل والتَّمييز بقُوة .
ولعلّ العرف يطلق على قوة الذاكرة وسرعة استحضار المعلومة وشدّة الفطنة والإنتباه ودقّة التوقعات والتخمينات .. والنجاح في العمل والمدرسة .. بالذكاء .
ووضعت بعض الطرق لقياس نسبة ذكاء الانسان ، منها ما يُعرف بنسبة الذكاء والتي يرمز لها ( IQ ) ، وهي الدرجة الناتجة عن قسمة العمر العقلي للشخص ( الذي يُحصل عليه من خوض اختبار نسبة الذكاء ) على عمر الشخص الزمني ، كلاهما في صورة سنوات وشهور ، وبعدها يُضَرَّب الناتج في 100 للحصول على نتيجة نسبة الذكاء .
وطبقاً لهذه الطريقة تشير بعض التقارير إلى أنّ ثلثي السكان تقريباً تتراوح نسبتهم ما بين 85 نقطة و 115 نقطة ، ونسبة 2.5 في المائة فقط من نتائج السكان هي أعلى من 130 نقطة على المقياس أعلاه ، كما أن 2.5 في المائة أقل من يبلغ معدل ذكائها 70 نقطة فقط .
ً
كما أن الذكاء يقسّم أحياناً الى أكثر من نوع :
》 كالذكاء الرياضي والمنطقي .
》 والذكاء اللغوي .
》 والذكاء البصري المكاني
》 والذكاء العضلي .. وغيرها
وكل نوع يعبّر عن فرادة الشخص به ، فالأوّل مثلاً يشير الى سرعة ودقّة معالجة المسألة الرياضية والوصول الى النتيجة ، والثاني على سرعة ولباقة ودقّة التعبير عمّا يجول في فكر الشخص .. والثالث يشير الى التميّز في القدرة على استعمال الفضاء بشتى أشكاله ، بما في ذلك قراءة الخرائط والجداول ، وتخيُّل الأشياء ، وتصوُّر المساحات .. والعضلي مثلاً هو ما موجود من موهبة ومهارة عند الرسام والنحات والخطاط .. وهكذا ..
***
أمّا لو استنطقنا النصوص الشرعية الإسلامية فسوف نجد مقاييساً أخرى للذكاء ، مقاييس تعتمد على فلسفة الإسلام للحياة ونظرته لأصل وعلّة وجود الإنسان في هذه النشأة ووظائفه الملقاة على عاتقه ..
يقول تعالى ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ الاعراف ١٧٩
ورواية عمرو بن عَبَسَة عن رسول الله صلى الله عليه وآله : ( ما تَستَقِلُّ الشَّمسُ فَيَبقى شَيءٌ مِن خَلقِ اللّه إلّا سَبَّحَ اللّه َ بِحَمدِهِ ، إلّا ما كانَ مِنَ الشَّيطانِ وأغبِياءِ بَني آدَمَ . قالَ : فَسَأَلتُهُ عَن أغبِياءِ بَني آدَمَ . قالَ : الكُفّارُ شِرارُ الخَلقِ ، أو شِرارُ خَلقِ اللّه ) حلية الأولياء ( ج 6 ص 111) .
هذان النصان الشريفان والنصوص الأخرى التي تحمل نفس المضمون تشير الى أن الذكي من فاز برضا الله والجنة ، والغبي من خسر آخرته ..
يصف أمير المؤمنين شيعته بأنهم : ( أُنَاسٌ أَكْيَاسٌ ـ أي : عقلاء وذوي فطنة ـ ، أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا ، وَطَلَبَتْهُمْ فَأَعْجَزُوهَا ) .
ولقد عُرف بعض الناس بالدهاء والذكاء والفطنة ، ولكن أي ذكاء ، هو الغباء في حقيقته وباطنه ، ولهذا نسمع أمير المؤمنين عليه السلام يقول : ( والله ما معاوية بأدهى مني ، ولكنه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر كنت من أدهى الناس ، ولكن كل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة ، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة ، والله ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة ) .. يتبع
|