• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مشتقات الرغائب في القرآن الكريم (راغبون، أرغب) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

مشتقات الرغائب في القرآن الكريم (راغبون، أرغب)

جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن الرغائب "وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ" ﴿التوبة 59﴾ راغبون اسم، رَاغِبونَ: طامعون راجعون. ولو أن هؤلاء الذين يعيبونك في قسمة الصدقات رضوا بما قسم الله ورسوله لهم، وقالوا: حسبنا الله، سيؤتينا الله من فضله، ويعطينا رسوله مما آتاه الله، إنا نرغب أن يوسع الله علينا، فيغنينا عن الصدقة وعن صدقات الناس. لو فعلوا ذلك لكان خيرًا لهم وأجدى. قوله عز وجل "عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ" ﴿القلم 32﴾ رَاغِبُونَ: طالبون منه الخير والعفو. فلما رأوا حديقتهم محترقة أنكروها، وقالوا: لقد أخطأنا الطريق إليها، فلما عرفوا أنها هي جنتهم، قالوا: بل نحن محرومون خيرها؛ بسبب عزمنا على البخل ومنع المساكين. قال أعدلهم: ألم أقل لكم هلا تستثنون وتقولون: إن شاء الله؟ قالوا بعد أن عادوا إلى رشدهم: تنزَّه الله ربنا عن الظلم فيما أصابنا، بل نحن كنا الظالمين لأنفسنا بترك الاستثناء وقصدنا السيِّئ. فأقبل بعضهم على بعض، يلوم كل منهم الآخر على تركهم الاستثناء وعلى قصدهم السيِّئ، قالوا: يا ويلنا إنَّا كنا متجاوزين الحد في منعنا الفقراء ومخالفة أمر الله، عسى ربنا أن يعطينا أفضل من حديقتنا؛ بسبب توبتنا واعترافنا بخطيئتنا. إنا إلى ربنا وحده راغبون، راجون العفو، طالبون الخير. مثل ذلك العقاب الذي عاقبنا به أهل الحديقة يكون عقابنا في الدنيا لكل مَن خالف أمر الله، وبخل بما آتاه الله من النعم فلم يؤدِّ حق الله فيها، ولَعذاب الآخرة أعظم وأشد مِن عذاب الدنيا، لو كانوا يعلمون لانزجروا عن كل سبب يوجب العقاب. قوله سبحانه "قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا" ﴿مريم 46﴾ أَرَاغِبٌ: أَ حرف استفهام، رَاغِبٌ اسم، أمعرض أنت عن عبادة آلهتي يا إبراهيم؟ لئن لم تنته عن سَبِّها لأقتلنَّك رميًا بالحجارة، واذهب عني فلا تلقني، ولا تكلمني زمانًا طويلا من الدهر. قوله سبحانه "وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب" ﴿الشرح 8﴾ فَارْغَب: فَ حرف عطف، ارْغَب فعل. فارْغَبْ: فاجْعَـلْ رَغْـبَـتـَك في جَميع شؤونك، وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ: اجعل رغبتك ونيتك إلى الله عز وجل.. فإذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها فَجِدَّ في العبادة، وإلى ربك وحده فارغب فيما عنده.
جاء في معاني القرآن الكريم: رغب أصل الرغبة: السعة في الشيء، يقال: رغب الشيء: أتسع (قال في الأفعال: ورغب، اتسع رأيه وخلقه. الأفعال 3/41)، وحوض رغيب، وفلان رغيب الجوف، وفرس رغيب العدو. والرغبة والرغب والرغبى: السعة في الإرادة قال تعالى: ﴿ويدعوننا رغبا ورهبا" (الانبياء 90)، فإذا قيل: رغب فيه وإليه يقتضي الحرص عليه، قال تعالى: "إنا إلى الله راغبون" (التوبة 59)، وإذ قيل: رغب عنه اقتضى صرف الرغبة عنه والزهد فيه، نحو قوله تعالى: "ومن يرغب عن ملة إبراهيم" (البقرة 130)، "أراغب أنت عن آلهتي" (مريم 46)، والرغيبة: العطاء الكثير؛ إما لكونه مرغوبا فيهن فتكون مشتقة من الرغبة؛ وإما لسعته، فتكون مستقة من الرغبة بالأصل.
الطغاة اسلوبهم التهديد لمن يعارضهم كالرجم في الماضي الذي يماثل الاعدام حاليا قال الله سبحانه وتعالى "قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا" (مريم 46) تذكر القصص القرآنية اخبار عن هجرة الانبياء منها هجرة ابراهيم عليه السلام. جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "وإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ" (الشرح 8) لا تتجه بقلبك لغير اللَّه، ولا تستعن بأحد سواه. قال الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم: إذا سألت فاسأل اللَّه، وإذا استعنت فاستعن باللَّه، واعلم انه لو اجتمعت الإنس والجن على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه اللَّه لك، ولو اجتمعت على ان يضروك لم يضروك إلا بشيء كتبه اللَّه عليك.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله سبحانه "وإلى ربك فارغب" (الشرح 8) أي فارفع حوائجك إلى ربك ولا ترفعها إلى أحد من خلقه وقال عطاء: يريد تضرع إليه راهبا من النار وراغبا إلى الجنة . معناه فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وأرغب إليه في المسألة يعطك عن مجاهد وقتادة والضحاك ومقاتل والكلبي وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام. وقال الصادق عليه السلام هو الدعاء في دبر الصلاة وأنت جالس وقيل معناه فإذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل عن ابن مسعود وقيل معناه فإذا فرغت من دنياك فانصب في عبادة ربك وصل عن مجاهد والجبائي وقيل فإذا فرغت من الفرائض فانصب فيما رغبك الله فيه من الأعمال وصل عن ابن عباس وقيل إذا فرغت من جهاد أعدائك فانصب بالعبادة لله عن الحسن وابن زيد وقيل فإذا فرغت من جهاد الأعداء فانصب بجهاد نفسك وقيل إذا فرغت من أداء الرسالة فانصب لطلب الشفاعة وسئل علي بن طلحة عن هذه الآية فقال القول فيه كثير وقد سمعناه أنه يقال إذا صححت فاجعل صحتك وفراغك نصبا في العبادة.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: "فإذا فرغت فانصب" (الشرح 7) أي إذا انتهيت من أداء أمر مهم فابدأ بمهمّة اُخرى، فلا مجال للبطالة والعطل. كن دائماً في سعي مستمر ومجاهدة دائمة، واجعل نهاية أية مهمّة بداية لمهمّة آُخرى. "وإلى ربّك فارغب" (الشرح 8)، أي فاعتمد على اللّه في كلّ الاحوال. اطلب رضاه، واسع لقربه. الآيتان ـ حسب ما ذكرناه ـ لهما مفهوم واسع عام يقضي بالبدء بمهمّة جديدة بعد الفراغ من كلّ مهمّة. وبالتوجه نحواللّه في كلّ المساعي والجهود، لكن أغلب المفسّرين ذكروا معاني محددة لهما يمكن أن يكون كلّ واحد منها مصداقاً للآيتين. قال جمع منهم: المقصود، إنّك إذا فرغت من فريضة الصلاة فادع اللّه واطلب منه ما تريد. أو: عند فراغك من الفرائض إنهض لنافلة الليل. أو: عند فراغك من اُمور الدنيا ابدأ بأمور الآخرة والصلاة وعبادة الربّ. أو: عند فراغك من الواجبات توجه إلى المستحبات التي حثّ عليها اللّه. أو: عند فراغك من جهاد الأعداء انهض إلى العبادة. أو: عند فراغك من جهاد الأعداء ابدأ بجهاد النفس. أو: عند انتهائك من أداء الرسالة انهض لطلب الشفاعة. الحاكم الحسكاني عالم أهل السنة المعروف روي عن الإمام الصادق عليه السلام في (شواهد التنزيل) في تفسير الآية إنّها تعني: (إذا فرغت فانصب عليّاً بالولاية). القرطبي في تفسيره روى عن بعضهم أنّ معنى الآية: (إذا فرغت فانصب إماماً يخلفك). (لكنّه ردّ هذا المعنى). موضوع (الفراغ) في الآية لم يذكر، وكلمة "فانصب" من النصب أي التعب والمشقّة، ولذلك فالآية تبيّن أصلاً عاماً شاملاً. وهدفها أن تحث النّبي باعتباره القدوة على عدم الخلود إلى الراحة بعد انتهائه من أمر هام. وتدعوه إلى السعي المستمر. انطلاقاً من هذا المعنى يتّضح أنّ التفاسير المذكورة للآية كلّها صحيحة، ولكن كل واحد منها يقتصر على مصداق معين من هذا المعنى العام. وما أعظم العطاء التربوي لهذا الحثّ، وكم فيه من معاني التكامل والإنتصار البطالة والفراغ من عوامل الملل والخمول والتقاعس والإضمحلال. بل من عوامل الفساد والسقوط في أنواع الذنوب غالباً. وحسب الإحصائيات، مستوى الفساد عند عطلة المؤسسات التعليمية يرتفع إلى سبعة أضعاف أحياناً. وبإيجاز، هذه السّورة تبيّن بمجموعها عناية ربّ العالمين الخاصّة للنّبي الأعظم صلى الله عليه واله وسلم، وتسلية قلبه أمام المشاكل، ووعده بالنصر أمام عقبات الدعوة، وهي في الوقت ذاته تحيي الأمل والحركة والحياة في جميع البشرية المهتدية بهدى القرآن.
جاء في کتاب من هدى القرآن للسيد محمد تقي المدرسي: كان رسول الله المثل الأعلى، فقد قام الليل حتى تورمت قدماه، وعانى من الجوع حتى شد على بطنه حجر المجاعة، وطلبته الدنيا فكشح عنها. ولم يزل خلال أيام رسالته المحدودة يهدم بنى الجاهلية في كل يوم ليقيم مكانها صرح الإسلام، فما فرغ من مهمة إلا لينصب للثانية، حتى إذا أكمل الله به الدين نصب نفسه لمهمة الخلافة من بعده، فاستوزر عليا عليه السلام إماما من بعده، وكانت تلك أصعب مراحل حياته، حيث واجه مخالفة واسعة من بعض أصحابه ولكنه نهض به بكل عزم واستقامة. من هنا جاء في تفسير الآية عن الإمام الصادق عليه السلام (فَإِذا فَرَغْتَ مِنْ نُبُوَّتِكَ فَانْصَبْ عَلِيّاً، وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ فِي ذَلِك‌). وما الذي يجعل المؤمنين في حركة ذاتية، ونشاط لا ينقطع؟ إنه حب الله والرغبة إليه، ومن وله بأحد استسهل الصعاب من أجله، وأي حب أكبر في صدور المؤمنين من حبهم لله وقد قال الله "وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ‌" (البقرة 165) لذلك جاء النداء للرسول ومن خلاله للأمة "وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ‌" (الشرح 8) لقد كان قلبه عند ربه، تنام عيناه ولا ينام قلبه، وكان إذا جن عليه الليل تفرغ للابتهال والاجتهاد.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=190397
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 01 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12