• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : كلمةُ وفاءٍ في سيدِنا وشيخِنا الجواد "رحمه الله" .
                          • الكاتب : د . الشيخ عماد الكاظمي .

كلمةُ وفاءٍ في سيدِنا وشيخِنا الجواد "رحمه الله"

 رحم الله سيدنا الجواد، فقد كان جوادًا بعطائه، وجوادًا بأخلاقه، وجوادًا بعلمه، فهو نِعم الجواد الذي سخَّر عقودًا من عمره لأجل الحفاظ على موضوعين عظيمين مهمين لهما علاقة بتاريخ وتراث الأمة:
أولهما: حفاظه على جميع ما يتعلق بوالده السيد هبة الدين من مؤلفات مخطوطة ومطبوعة، ووثائق ومراسلات كثيرة وغيرها على وفق ترتيب لها منتظم، بل حتى مسوَّدات الأوراق، في أوعية خاصة تم فهرستها فهرسة علمية، مكتوب عليها تلك العناوين، بذلك الخط الجميل الرائع، الذي يوحي إليك كمال صفات كاتبه، فلا ملل في العناوين، ولا تشابه، ولا إسراف، جمع فيها قصاصات وأوراق وموضوعات ذات صلة، بل والصفحات الصغيرة التي كان يكتبها والده السيد هبة الدين وهو مكفوف بانتظار من يقوم بإعادة كتابتها، وغير ذلك، فضلًا عن ذلك الكم الهائل من المخطوطات.
وآخرهما: مكتبة الجوادين العامة التي أُسست عام ١٩٤١م، فقد كان عمادًا وسندًا وأمينًا ومتوليًّا لها، خصوصًا بعد رحيل والده عام ١٩٦٧م، فعكف على رعايتها منذ ذلك إلى حين وفاته عام ٢٠٠٥م، وبالأخص في زمن البعث الذي أهلك الحرث والنسل، وأهمية موقع المكتبة في الصحن الكاظمي الشريف، فكم من خطرٍ تحمَّله من أجل ذلك؛ لتبقى معلمًا تاريخيًّا وعلميًّا، فحرص على الحفاظ عليها، والتواصل مع المؤلفين والمؤسسات، وتهيئة العاملين لخدمتها من خيار الشباب المؤمنين المخلصين، والذين كان منهم الشهيد الأديب حميد الجزائري، فكان السيد جواد قد تصدى لهذه المؤسسة العلمية الكبيرة، وكان أشد الشوق إلى افتتاحها في التسعينيات من القرن الماضي غير مبالّ بغطرسة البعث الكافر ورفاقه ورجاله، وأعوانه وعيونه، ولكن لم يشأ القدر ذلك، فقام بدوره الكبير في مجلسه الأسبوعي عصر كل خميس، وقد حقق الله له أمنيته بعد سقوط صنم البعث، فافتتحت المكتبة بعد أول أيام سقوطه بجهوده وبركته ودعمه ودعوته ..
رافقته متشرِّفًا على رغم الفارق بالعمر مدة ١٥ عامًا فلمَ أرَ منه إلا علوَّ مكارم الأخلاق في كُلِّ صغيرة وكبيرة، نعم في كُلِّ صغيرة وكبيرة -وهذا لا يتحقق لكل إنسان بيسر-، فكُلُّ ما كان يصدر عنه هو درس كبير وحكمة، وخير ما تعلمتُ منه -وهو كثير- حرصه على استثمار الوقت في الكتابة،
فلا تأتيه في داره وهو في الثمانين من عمره إلا وهو مشغول بالتدوين وسط أوراق كثيرة جدًّا يؤلِّف بينها على رغم عمره وعِلله، وما أعظم تلك الكلمة التي لا زال موسيقى لحنها تتمتع به أذني وهو يقول لي (بُنَي)، فهو يشكر الصغير كما يشكر الكبير، ويقف له تقديرًا كما للكبير، وقد ربَّى نفسه وأولاده على مكارم الأخلاق والنبل والدين، والحفاظ على تلك السمعة الكريمة للأسرة، فكان جوادًا بذلك، وأنعِم به من جواد ..
شرَّفني "رحمه الله" بإجازة رواية الحديث الشريف عام ١٤٢٦هج بسنده المتصل عن والده بأسانيده الكثيرة المتصلة عن مشايخه الأعلام الكرام الذين ملؤوا الآفاق.
ولقد كان دائمًا يوصي أنْ يدفن بجوار والده وسط مكتبة الجوادين، بل يتمنى ذلك على صعوبته أيام البعث الكافر، ولكن شاء له الله ذلك حيث يسقط ذلك النظام، ويتنفس المؤمنون الصعداء، وتتحرر أنفاسهم وأنفسهم، وحروفهم وحركاتهم، حيث يرقد اليوم في رحاب الإمامين الكاظمين "عليهما السلام"، وعند مَنْ غذَّاه العلم والأدب والأخلاق أبيه وأمه، ووسط تلك الكتب التي بذل ما بذل من حياته لأجل الحفاظ عليه، وتنميتها، وترتيبها، فضلًا عمَّا تبرع إليها من كتبه الخاصة.
رحل عن الدنيا وفي ذاكرته تاريخًا حافلًا عن العراق ورجاله وما يتعلق بهم.
وكانت آخر وصاياه هو المحافظة على مكتبة الجوادين، فكان على فراش مرضه الأخير ولسانه يلهج بذلك، ولله الحمد هي اليوم كذلك ببركات الإمامين "عليهما السلام"، وتلك المجاهدات العظيمة له ولأبيه وللأخيار والأغيار، ينهل الباحثون والزائرون من معينها ..
إنه الجواد المعلم والمربِّي الذي لا يجود الزمان بمثله ..
توفي يوم الأحد ٨ رجب ١٤٢٦هج الموافق ١٢ آب ٢٠٠٥م.
فعليك سلامٌ وأمنٌ وبركاتٌ .. 
وجزاك الله عن العلم وأهله خير الجزاء 🤲🏻




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=190287
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 01 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13