• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : معضلة السلبيين في مجتمعاتنا الإسلامية .
                          • الكاتب : محمد الرصافي المقداد .

معضلة السلبيين في مجتمعاتنا الإسلامية

 السلبيون في مجتمعاتنا هم الذين يعيشون بين مكوّناتها، دون أن تكون لهم يد يؤدونها له، ولا جهد يقدّمونه، ولا نفع يستفيده مما يصدر منهم، يكون مساهمة من طرفهم في نماء بلادهم، هدفهم الأول والأخير أنفسهم، وما تغنمه من مكاسب، ليس مُهمّا مصدرها، انتهازيون إلى أبعد حد، ولو كانت على حساب الآخرين، يُخفُون حقائقهم متلوّنين بألوان التمظهر بما ليس فيهم، لا تعنيهم الأحداث في بلادهم وفي العالم، يعيشون على هامشها عيش الغريب عنها، هؤلاء السلبيين لا تسمع لهم حسا أو حركة، وإن صدرت ففيما لا يعني، يتهافتون على الأمور التافهة، تهافت الفراش على المصباح، تستفزهم الكرة والألعاب واللهو، فيذهبون وراءها إلى أبعد ما يتصوره عقل، وفي سبيلها يرتكبون حتى الجرائم، انغماسا وتأثّرا بأوهامها، يتظاهرون لها، ويسهرون لأجلها، ويبكون ويحزنون على خسارة ألمّت بهم، ويمضون الأيّام متأثّرين لها،  وفي المقابل لا تسمع لهم حسا ولا حركة، عندما يتعلّق الأمر بمظلمة، يجب أن يكونوا أنصار من تعلّقت بهم، لا ترى لهم حسا ولا رِكْزا.

فقضيّة فلسطين ومظلومية أهلها وتحريرها، هي فضلا عن كونها قضية الشعب الفلسطيني، هي قضية الشعب التونسي بعد أن تبنّاها، وانخرط فيها بطلائع أبنائه خيرة، الذين اختلطت دماءهم مع دماء إخوانهم المقاومين الفلسطينيين - في اعتداءات تبقى حاضرة في ذاكرة الأحرار- ومع هذا الإنخراط والإلتزام بمناصرتها، لا تصدر منهم حركة شاملة معبّرة من أجلها، ولا يأبه أغلبهم لأي دعوة حق، فتراهم يتبرّعون لفرقهم بالأموال الطائلة، مرارا وتكرارا بصدور منشرحة، كأنّ ذلك العمل واجب ديني، وإذا وجب التبّرع لأجل عمل اجتماعي أو لأجل دعم قضية حقوقية، تخص مجتمعنا المنتمي إليها قلبا وقالبا، تراهم يتذرّعون بذرائع شتى، هربا من أن يقدموا شيئا لفائدتها، فيكون فريقهم الرياضي أولى وأهمّ لمدّ يد العون له.

عندما أنظر إلى هؤلاء الذين حولي، في تظاهرة نصرة غزة، أمام سفارة الشر والتآمر الأمريكي بتونس، أراهم أقل القلة من هذا الشعب، لا يتجاوزون بضعة مئات ويتناقصون كل أسبوع، أدرك بكل أسف وحسرة، إلى أي مستوى بلغ شعبنا من اللامبالاة والتجاهل لقضية، هي من أهم وأخطر قضايا أمتنا، القضية الفلسطينية إذا لم نعتني بها، فإن خسرانها سيؤدي بنا إلى أن نصبح يوما ما عبيدا عند بني صهيون، وإن لم نأخذ في حسباننا هذه الفرضية، فنبادر إلى نصرة قضيتنا المركزية، فإنّ هذا العدوّ الخبيث الغادر سينفرد بنا، شعبا شعبا وبلدا بلدا، طالما أنهم يحملون في قلوبهم حلم تحقيق إسرائيل الكبرى، المهيمنة على المنطقة العربية والإسلامية كلّها، وأحرار هذه الأمة كعادتهم، وشحنتهم الإيمانية المتّقدة حرارة وقوّة، يخيّرون  الموت على أن يكونوا عبيدا لبني صهيون.

كلمة الإمام الحسين عليه السلام التي أطلقها يوم عاشوراء: (ألا وإنّ الدّعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلّة وبين الذّلّة وهيهات منا الذّلة .. والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذّليل ولا أقرّ لهم إقرار العبيد)(1) لتكون من خلْفِه موقفا لكلّ حرّ شريف، يرفض الاستكانة للظلمة، والعيش تحت ظلالهم راكنا لسلطانهم وأحكامهم، سلبيا في دوره ساكتا عن الحق، هي بحدّ ذاتها موعظة لمن يعي، أنّ الدّور البشري من قمّة إلى قاعدة أصناف أهله، يجب أن يكون فاعلا إيجابيا، ومن كان سلبيا في دوره، لم يجد ما يأمله العاملون.

من هذه المقالة العالية وما استبعها من أداء وتطبيق، رغِب الإمام الحسين عليه السلام أن نفهم، أنّ الحياة ميدان تضحية وبذل، جعله الله للعمل وفق قوانين دقيقة عادلة، هذه القوانين مراعية في مقامها الأول، القيمة الإنسانية التي منحها الله سبحانه له، ليكون حرّا في اختيار ما يصلح مسيرته إليه ليبلغ رضوانه، فلا يسلك سبيل الغيّ، باتّباع أهل الدنيا، والرضا بمكاسبها الزائفة، وقبول ولايتهم، عوض ولاية صفوة الله وأتباعهم من أهل دينه.

مجيئك الى الدنيا ليس بمحض ارادتك، وذهابك أيضا سيكون رغما عنك، ولا قدرة لك على ردّ موعديهما، أنت في عمرك معفى من التكليف الى حين بلوغك، فإذا بلغت فأنت مخيّر بين ان تكون سلبيا أو إيجابيا، سلبيا كما أسلفت الحديث عنه، وإيجابيا كما يريده خالقك منك ( لقد خلقنا الانسان في كبد * أيحسب أن لن يقدر عليه أحد* يقول أهلكت مالا بلدا * أيحسب أن لم يره أحد * ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين * وهديناه النجدين * فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة) (2) جاء في تفسير الميزان: (المراد بوالد وما ولد، آدم عليه السلام وذريته جميعا بتقريب أن المقسم عليه بهذه الأقسام خلق الانسان في كبد وقد سن الله في خلق هذا النوع وإبقاء وجوده سنة الولادة فقد أقسم في هذه الآيات بمحصول هذه السنة وهو الوالد وما ولد على أن الانسان في كد وتعب بحسب نوع خلقته من حين يحيى إلى حين يموت)(3)

وتبصرة لعباده جاء قوله تعالى (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) (4) يقول العلّامة الطباطبائي في تفسيره: (إن الإنسان بما أنه عبد مربوب ومملوك مدبر، ساع إلى الله سبحانه، بما أنه ربه ومالكه المدبر لأمره، فإن العبد لا يملك لنفسه إرادة ولا عملا، فعليه أن يريد ولا يعمل، إلا ما أراده ربه ومولاه وأمره به، فهو مسؤول عن إرادته وعمله) (5) الشعوب العربية والإسلامية مبتلاة بالمواطنين السلبيين، وأعدادهم تمثل ثقلا مُعرقلا لمسيرة مجتمعاتهم، نحو امتلاك القدرة والقوّة والتميّز على بقية الشعوب، فما تملكه من قِيَمٍ عالية، من شأنها أن لا يبقى من بينها سلبيون بمثل أعدادهم اليوم، فمتى يعي هؤلاء بأنّهم مسيؤون ولا يحسنون صنعا وإن اعتقدوا خلاف ذلك.

المصادر

1 – حياة الامام الحسين باقر شريف القرشي ج1ص 114

2 – سورة البلد الآية 10

3 –الميزان في تفسير القرآن  محمد حسين الطباطبائي سورة البلد ج 20 ص 291

4 – سورة الإنشقاق الآية 6

5 – الميزان في تفسير القرآن محمد حسين الطباطبائي سورة الإنشقاق ج 20 ص 242

 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=190131
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 01 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14