عندما أقول إن الغرب المستكبر يعيش آخر عمر هيمنته على العالم، وهو الذي قضاه في استغلال الشعوب المستضعفة، بالكذب التدجيل، وفرض نظرياته الفاسدة عليها، فلأنّ المُعْطيات المتوفّرة لدينا الآن، تؤكّد أنّ انحدارا أخلاقيا رهيبا حصل لدى دوله، بعدما سيطرت عليها المنظومة الصهيونية العالمية، والخوف من اليهود الصهاينة، أصبح هاجس الأوروبيين والأمريكيين ونقطة ضعفهم، التي كبرت اليوم، بحيث لم يعد لديهم اعتبار يقيمونه لِقيمة أخلاقية أو فكرية، دون أن يكون مصدرها صهيوني، وكأنّي بهذا العالم قد تورّط في جرائم بحق قتلة الأنبياء، لم يعد له من مجال للتكفير عن ذنبه، بغير الخضوع لهذه المنظومة العنصرية الفاسدة، والاستجابة لكل نزواتها، وغض الطّرف على جرائمها مهما بلغت.
لنفترض أن العدوان الصهيوني المرتكب اليوم على قطاع غزّة، قامت به دولة من دول العالم الثالث المستضعف، فأيّ موقف سيجتمع عليه الغربيون؟ بالتأكيد أنهم سيشكلون حلفا مناسبا لإيقافها عند حدّها، بدعوى حماية حقوق الإنسان وحفظ أرواح المدنيين، أمّا وقد ارتكبه الكيان الصهيوني، فذلك شأن آخر وهو بالتالي لا يدخل في إطار الحقوق الإنسانية المطلوب حمايتها من الاعتداء، هذا الغرب الذي تهتزّ مشاعره لمجرّد رؤيتهم لحيوان في وضع سيء، ولا تهتز لما يُرْتَكَبُ من مجازر بحق الفلسطينيين، وهي مجازر مروّعة، تسفت فيها الطائرات الصهيونية الأبنية، بما حوته من سكان مدنيين رضَعا صغارا، وأطفالا في عمر الزهور، ونساء حوامل، ومرضى وعجائز وشيوخا، فاختلط الحجر بالأشلاء، وأغلبها اليوم باق على حاله بعد القصف، حيث لا توجد فرصة لانتشاله، في ظل وحشية الآلة العسكرية الصهيونية وقرار قادتها بمواصلة العدوان.
يقف العالم اليوم أمام حقيقة زيف وكذب هذا الغرب بدوله، وفي طليعته زعيمته أمريكا، فمن منّا مازال يصدّق ادّعاءاتهم بعد ما عرفناه على حقيقته مستعمِرا من قبلُ، وداعيا إلى منظومته الفكرية السياسية من بعدُ، ونعلم يقينا مظلومية الشعب الفلسطيني، ومن جلائها ووضوحها قناعة أغلب شعوب العالم بعدالتها، في مقابل خذلان حكام العرب وتخليهم عنها، بعد التزامٍ ظاهر بها، تبيّن بعد ذلك أنه كان مجرّد خدعة حكام لشعوبهم.
مع هذا الزّيف الغربي يتواصل عيش العالم، وتحت ظلاله القاتمة يقيمون مقهورين، مع أنّه بإمكانهم أن يفلتوا من قبضته ويتحرّروا من بهتانه، فعندما يُعلن عن تشكيل تحالف بحري من أجل حرّية الملاحة البحرية، فليس من أجل تامين حرّية المرور السفن التجارية من مضيق باب المندب، بل فقط من أجل مرور السفن المتّجهة الى الموانئ الصهيونية، التي منع أنصار الله مرورها، طالما بقي الحصار قائما على قطاع غزّة، وهو حصار ظرفي، يرتفع برفع الحصار عنه، هذا التحالف المشكل من 39 تحت قيادة نائب أميرال الاسطول الخامس الأمريكي المتمركز في البحرين، وفرقة عمله المعروفة باسم فرقة العمل المشترك 153 من بين الدول المشاركة تحت القيادة الامريكية، بريطانيا البحرين كندا فرنسا إيطاليا هولندا النرويج سيشل اسبانيا(1).
عبّرت حركة انصار الله، على لسان الناطق باسم مكتبها السياسي، تعليقا على تشكيل هذا التحالف منتقدة الدول المسارعة للإنضمام إليه، هو تحالف لحماية الكيان الصهيوني والسفن الإسرائيلية، وهو جزء لا يتجزأ من العدوان على الشعب الفلسطيني وعلى غزة، وعلى الامة العربية والإسلامية، ويهدف الى تشجيع الكيان الصهيوني، على مواصلة جرائمه الوحشية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، ويتناقض مع القانون الدولي، ولا يحمي الملاحة البحرية بل يهددها، ويسعى إلى عسكرة البحر الأحمر لصالح الكيان الصهيوني، وكان على هذه الدول فك الحصار على غزة، وهو الدور الذي كان ينبغي أن تقوم به الأمم المتحدة، والمنظمات والهيئات التي تتشدق بالدفاع على حقوق الانسان، والقوات المسلحة اليمنية وهي تنفذ عملياتها ضد العدو الإسرائيلي، فإنها لا تمثل أي تهديد لأي دولة في العالم، والشعب اليمني ثابت على موقفه المبدئي المساند للشعب الفلسطيني، حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة(2).
لقد كان من اليسير على هذه الحكومات المنحازة والحمقاء، أن تضغط على الكيان الصهيوني من أجل وقف الأعمال الوحشية التي ترتكبها قواته العسكرية كل ساعة ويوم، لكي يُنْصَفَ المظلوم من ظالمه، فلا شيء أقبح من مناصرة الكيان المتمادي في ظالمه، وقمعه للشعب الفلسطيني المنتهك في أرضه وحرية أفراده، ومن البؤس السياسي أن تشتكرك حكومات عربية في هذا التحالف، لأنّه ببساطة تحالف صهيوني، يسعى إلى استقواء الكيان ومواصلة جرائمه بحق أشقائنا المظلومين، وإذا كان عذر الأمريكيين حماة الكيان الصهيوني، متمثلا في الإبقاء على مشروع هيمنتهم على المنطقة، بواسطة أرذل وأخبث البشر، فما عذر الحكومات العربية المنخرطة في تحالف صهيوني في حقيقته وأهدافه؟ لا أرى فيه إلّا أنه أسقط القناع الذي كانوا يتستّرون به، وبانت حقيقة انتمائهم للصهيونية العالمية.
من المحتمل جدّا أن يكون هذا التحالف منطلق حرب عالمية ثالثة ستكون أشدّ دمارا من سابقاتها، ونتائجها ستكون كارثية، خصوصا على من سعى إليها رافضا إعطاء الشعب الفلسطيني حقّه في ارضه وتقرير مصيره بنفسه، بعيدا عن وصايات العملاء.
المصادر
1 – أمريكا تسعى لتشكيل أوسع تحالف بحري ممكن في البحر الأحمر لصد هجمات الحوثيين
https://www.swissinfo.ch
2 – ماذا قالت جماعة انصار الله عن التحالف الأمريكي البحري المعلن عنه
https://www.yemenco.org
|