وردت كلمة سبت ومشتقاتها في القرآن الكريم: السَّبْتِ، سَبْتِهِمْ، يَسْبِتُونَ، سُبَاتًا. قوله تعالى "وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ" (الاعراف 163). لم يذكر القرآن اسم السمك المتعارف عليه بل ذكره بأسم الحوت في سورة الكهف والاعراف. قوله تعالى "فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ" ﴿الأعراف 166﴾ عتوْا: استكبروا و استعصوا، فلما عَتَوا: تكبروا، فلما تمردت تلك الطائفة، وتجاوزت ما نهاها الله عنه من عدم الصيد في يوم السبت، قال لهم الله: كونوا قردة خاسئين مبعدين من كل خير، فكانوا كذلك. من الملعونين الكافرين"لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ"، و"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا" ﴿النساء 47﴾ اللعن يحصل كذلك على مجموعة أفراد"كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ" (النساء 47). وعن مجاز القرآن في مرحلة التأصيل يقول الدكتور محمد حسين الصغير رحمه الله: قوله تعالى "وجعلنا نومكم سباتا" (النبأ 9). فيذهب أن ليس السبات هنا النوم، فيكون معناه فجعلنا نومكم نوما، ولكن السبات الراحة، أي جعلنا النوم راحة لأبدانكم ، ومنه قيل: يوم السبت، لأن الخلق اجتمع يوم الجمعة، وكان الفراغ منه يوم السبت، فقيل لبني إسرائيل: استريحوا في هذا اليوم، ولا تعملوا شيئا، فسمي يوم السبت، أي: يوم الراحة. وأصل السبت التمدد، ومن تمدد استراح، ومنه قيل: رجل مسبوت، يقال: سبتت المرأة شعرها، إذا نفضته من العقص وأرسلته، ثم قد يسمى النوم سباتا، لأنه بالتمدد يكون.
جاء في الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ" (النحل 124) إلى آخر الآية، قال في المفردات : أصل السبت القطع ومنه سبت السير قطعه وسبت شعره حلقه، وأنفه اصطلمه، وقيل: سمي يوم السبت لأن الله تعالى ابتدأ بخلق السماوات والأرض يوم الأحد فخلقها في ستة أيام كما ذكره فقطع عمله يوم السبت فسمي بذلك. وسبت فلان صار في السبت، وقوله"يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعا" (الاعراف 163) قيل: يوم قطعهم للعمل"وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ" (الاعراف 163) قيل : معناه لا يقطعون العمل وقيل: يوم لا يكونون في السبت وكلاهما إشارة إلى حالة واحدة ، وقوله"إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ" (النحل 124) أي ترك العمل فيه"وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً" (النبأ 9) أي قطعا للعمل وذلك إشارة إلى ما قال في صفة الليل"لِتَسْكُنُوا فِيهِ" (يونس 67) انتهى. فالمراد بالسبت على ما ذكره نفس اليوم لكن معنى جعله جعل ترك العمل فيه وتشريعه ، ويمكن أن يكون المراد به المعنى المصدري دون اليوم المجعول فيه ذلك كما هو ظاهر قوله"تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ" (الاعراف 163). وكيف كان فقد كان من طبع الكلام أن يقال: إنما جعل السبت للذين حتى ، يفيد نوعا من الاختصاص والملك وأن الله شرع لهم في كل أسبوع أن يقطعوا العمل يوما يفرغون فيه لعبادة ربهم وهو يوم السبت كما جعل للمسلمين في كل أسبوع يوما يجتمعون فيه للعبادة والصلاة وهو يوم الجمعة. فقوله"إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ" (النحل 124) بتعدية جعل بعلى دون اللام من قبيل قولهم: لي عليك دين وهذا عليك لا لك فتفيد معنى التكليف والتشديد والابتلاء أي إنما جعل للتشديد عليهم وابتلائهم وامتحانهم فقد كان هذا الجعل عليهم لا لهم كما انجر أمرهم فيه إلى لعن طائفة منهم ومسخ آخرين وقد أشير إلى ذلك في سورة البقرة الآية 65"وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ" (البقرة 65) وسورة النساء الآية 47"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا" (النساء 47). والأنسب على هذا أن يكون المراد بقوله"اخْتَلَفُوا فِيهِ" (النحل 124) أي في السبت اختلافهم فيه بعد التشريع فإنهم تفرقوا فيه فرقا ممن قبله وممن رده وممن احتال للعمل فيه على ما أشير إلى قصصهم في سور البقرة والنساء والأعراف لا اختلافهم فيه قبل التشريع بأن يعرض عليهم أن يسبتوا في كل أسبوع يوما للعبادة ثم يجعل ذلك اليوم هو الجمعة فيختلفوا فيه فيجعل عليهم يوم السبت كما وقع في بعض الروايات. والمعنى إنما جعل يوم السبت أو قطع العمل للعبادة يوما في كل أسبوع تشديدا وابتلاء وفتنة وكلفة على اليهود الذين اختلفوا فيه بعد تشريعه بين من قبله ومن رده ومن احتال فيه للعمل مع التظاهر بقبوله وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. وبالبناء على هذا يكون وزان الآية وزان قوله السابق"وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا" (الانعام 146) إلخ ، في أنها في معنى الجواب عن سؤال مقدر عطفا على ما مر من حديث النسخ، والتقدير وأما جعل السبت لليهود فإنما جعل لا لهم بل عليهم ليبتليهم الله ويفتنهم به ويشدد عليهم كما قد تكرر نظائره فيهم لكونهم عاتين معتدين مستكبرين وبالجملة الآية ناظرة إلى الاعتراض بتشريع بعض الأحكام غير الفطرية على اليهود ونسخه في هذه الشريعة. وإنما لم يضم إلى قوله سابقا"وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا" (الانعام 146) إلخ ، لكون مسألة السبت مغايرة لسنخ مسألة تحليل الطيبات واستثناء محرمات الأكل ، وقد عرفت أن الكلام على اتصاله من قوله"وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا" إلى قوله : "وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" سبع آيات تامة ثم اتصلت بها هذه الآية وهي ثامنتها الملحقة بها. ومن هنا يظهر الجواب عما اعترض به أن توسيط جعل السبت بين حكاية أمر النبي صلى الله عليه وآله باتباع ملة إبراهيم عليهالسلام وبين أمره صلى الله عليه وآله بالدعوة إليها وبعبارة أخرى وقوع قوله"إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ" (النحل 124) إلخ ، بين قوله"ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ" (النحل 123) إلخ ، وقوله"ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ" (النحل 125) إلخ، كالفصل بين الشجر ولحائه.
جاء في شبكة المعارف الاسلامية عن عدوانُ أصحاب السبت: أقرَّ الله لبني إسرائيل، على أن يكون السبتُ يوماً ينقطعون فيه للصلاة، ويعتكفون للعبادة واستمروا على هذا الحال، ردحاً من الزمن، طويلاً. وكان نبيُّ الله داودُ يحُضًّهم على ماهم عليه من تقديس يوم السّبت، ويحثُّهم على الانقطاع فيه لعبادة الله، وأعمال البرِّ، والتقرُّب إليه تعالى بالدُّعاء والصلاة. فلا تجارة في هذا اليوم، ولاصيد، ولا صناعة. وكان في (أيلة) القرية الواقعة على شاطئ البحر الأحمر جماعةٌ من بني إسرائيل، يعبدون الله تعالى، ويُسبتون (أي: ينقطعون لله في يوم السبت)، كبقيّة بني إسرائيل. وكان البحرُ مورد رزقهم الوحيد، فهم يعيشون على صيده. وشاء الله امتحانَهُم: فكانت"تأتيهم حيتانُهم يوم سبتهِمُ شرَّعاً ويوم لايُسبتونَ لاتأتيهم" (الاعراف 163). وكانوا يرون ذلك، فيتنغصون. الأسماكُ السِّمانُ، الكِبار، في مُتَناول أيديهم في كل سبتٍ، وفي ماعداه من أيام الأسبوع، فلا صيدَ، ولا أسماك وحدثتهم أنفسُهم بالصَّيد، يوم السبت، وخرق العادة التي انتهجوها سنين طوالاً. واحتالوا على الأسماك، فاصطادوها في يوم سبتهم، الحرامِ. فذُعرَ من ذلك مؤمنو بني إسرائيل، وصُلحاؤهم الأبرار. ووجدوا في ماأقدم عليه قومهم، مروقاً (أي:خروجاً) من الدِّين، ومجاهرةً بالفسق والعصيان. فوعظوهم، وزجروهم، فلم يُغْنِ وعظٌ، ولم يُجدِ ازدِجارٌ. وأصرُّوا على الصَّيد في اليومٍ الحرام. ونهاهم نبي الله داودُ، وخوَّفهم عذابَ الله، وأليمَ عِقابِه، فلم يَرعووا. واعتزلهم مؤمنو بني إسرائيل، فليس الكافرُ، المبارزُ الله بالمعصية، للمؤمن جاراً. وأقاموا بينهم وبين هؤلاء الفسقةِ جداراً: فهذا حيُّ المؤمنين الأطهار، وتلك ديار الكافرين الأشرار. وازداد الفسقة على ماهم عليه إصراراً، واستكبارا. ورفع نبي الله عليهم السلام يديه الكريمتين إلى السماء داعياً عليهم بعذاب الله. فزلزل الله الأرض بالكافرين، فدُمِّروا تدميراً. وقال لمن تبقى منهم على وجه الأرض، حياً: "كونوا قِردةً خاسئين" (البقرة 65). فكانوا مسوخا ومُسخ من كان في البحر، فكانوا"سمك الجري" الأملس، الذي لازعانف له ولاحراشف، بل جلدٌ أملسُ ناعمٌ، كجلد الحية الملساء. وهكذا حقَّت كلمة العذاب على القوم الكافرين.