اعلنت وزارة الثقافة ومؤسسة السينما والمسرح عن تمويل وإنتاج عدد من الافلام لمشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية .. ياللبشرى السارة ونحن نرى عجلة السينما العراقية بدأت تدور على الرغم من خراب البنى التحية لصناعة السينما .. لا صالات لعرض الافلام ،فقد قوضت منذ حصار عام 91 وتحولت الى مخازن او مكبات للنفاية او مأوى للمشردين.. ثم ازدادت خرابا بعد 2003 ..غاب رواد السينما الذين كانوا يحملون عوائلهم الى صالات السينما صيفا وشتاء..غابت السينما التي ارتبطت صنوا للأعياد حيث تصطف طوابير الصغار نهارا ، والكبار ليلا امام صالات السينما ..وثمة طقوس احتفالية ذهبت مع ذاك الزمن الجميل .. كانت افلام الكابوي الامريكي تغزو صالات السينما خاصة في الاعياد لتشكل علامة فارقة للفرح وكرنفال الأعياد .. تغيرت تقاليد وعادات الناس ومعه غاب تقليد الذهاب الى صالات الافلام. غابت فسحة الثقافة والمتعة التي كانت تمنحها عروض الافلام ، واجزم استحالة عودتها لاختلاف انماط التفكير واختلاف سلم الاهتمامات لدى الناس.. و في الجانب الاخر كانت قاعدة صناعة السينما التي وان كانت بدائية لكنها اختفت ايضا بسبب قصف مسرح الرشيد وسرقة الاجهزة والتلف والإهمال الذي لحق القاعدة الانتاجية في هذا المكان.. لاشركات انتاج ولا رؤوس اموال توظف في صناعة السينما.. لااستوديوهات او اجهزة ومعدات.. لم تشيد تلك القاعدة البدائية لصناعة السينما في زمن النظام إلا لتكون ضمن فيلق الاعلام الديكتاتوري ..انتجت افلام الترويج والدعاية للانتصارات الموهومة لذلك النظام..لم تكن ثمة استراتيجية ثقافية تدفع عجلة السينما وإنما هدف ايدلوجي محض .. لم يظهر لنا قطاع خاص في صناعة السينما ، وانما ارتبطت بدعم النظام المشروط ايدلوجيا ودعائيا.. هذا على مستوى الداخل اما من هاجر فقد اصيب بالانكسار والخيبة والنكوص ولم تتوفر للكثير منهم فرصة حقيقية (إلا ماندر)وبامكانات بسيطة غير احترافية..شارك العديد من السينمائيين العراقيين في المهرجانات (وبجهودهم الفردية) انتاجا للافلام وترويجا..وانتظرنا طويلا بعد 2003 ان تخرج مبادرة للنهوض بالسينما في العراق تيمنا بالسينما الايرانية الجارة التي غزت المهرجانات العالمية وحصدت الجوائز الكبرى، مع حفاظها على هويتها الوطنية والدينية.. حملت السينما الايرانية افكارا ورؤى انسانية بالإضافة الى جماليات مثيرة للدهشة حتى في بساطتها ، واساليب اخراجية شكلت علامة فارقة ضمن المشهد السينمائي العالمي وبرز معها العديد من اسماء المخرجين منهم عباس كيورستامي وبناهي ومجيدي ومحسن وابنته سميرة.. الخ وقد حصل اخر فيلم ايراني على جائزة اوسكار افضل فيلم اجنبي.فاين نحن من هذا؟ وأخيرا جاءت الفرصة بالحصول على تمويل لعدد من الافلام في العراق .. لكن ضبابية الرؤية وفقدان البوصلة وغياب الاستراتيجية العملياتية جعل المشروع متخبطا وواقع تحت سلطة العلاقات والمصالح ..من قرر ومن اختار؟؟.. ماهي اللجنة المشرفة على التخصيصات وماهو عنوانها لكي توضع الامور في نصابها الصحيح وتمنح الفرص لخلق سينما عراقية مميزة؟؟ ماهي لجنة اختيار الافلام ومديات نجاحها ؟ ام انه تخبط عشوائي..(ارجو ان اكون مخطئا لكن لست متجنيا وبالدليل والنقاش السليم) ..تلك هي ذات الاشكالية في مشاريع النهوض بالواقع الخدمي الانتاجي في عراق مابعد 2003.. غياب الدراسات والتخصصات الحقيقية ،وخضوع الامور والقرارات للارتجال والأهواء،مما يديم سلطة الفساد ويجذره في حراك الجسد العراقي.. كان من المفروض ان تتخذ الوزارة ومؤسسة السينما مبادرة وزير الثقافة الفرنسي في عهد ديغول (اندريه مارلو) نموذجا للنهوض بالسينما .. حيث انبثقت عن مبادرته ورؤاه سينما الواقعية الفرنسية الجديدة ونماذجها من امثال جودار وتروفو واريك رومير وكلود شابرول ، وتحقق بزوغ الفيلم الفرنسي الخلاق ..وبدلا عن الانتاج المكلف لفيلم واحد توزع الامر الى العديد من الافلام وبذات الكلفة الانتاجية للفيلم الواحد.. هكذا بزغ فجر السينما الفرنسية فنا واقتصادا وثقافة ومتعة.. ان كلفة انتاج فيلم واحد خصصت لإنتاج العشرات..قاد المسيرة النهضوية نقاد مجلة كراسات السينما والمخرجين الشباب.. لكن ماذا حدث في الوضع الحالي في العراق حين وضعت ميزانية لإنتاج الافلام ضمن مهرجان بغداد عاصمة الثقافة، ولانعرف لأية معايير خضعت اختيارات المخرجين وتخصيص الميزانية لأفلامهم..؟ هل تم وضع دراسات جدوى انتاجية.. هل ثمة مقاسات ابداعية ورؤى لدفع عجلة السينما للوصول الى العالمية .. لقد ذكر الخبر ان الافلام كالتالي (المسرات والاوجاع / للمخرج محمد شكري جميل، و/ صمت الراعي / للمخرج رعد مشتت ، و / الحلم الوردي / للمخرج فيصل الياسري ، و / وداعا نينوى مع حبي الى الابد / للمخرج عمانوئيل جورج تومي”. واشارت الى انتاج عدد من الافلام القصيرة، منها / اغتيال مع وقف التنفيذ / للمخرج فاروق القيسي ، و/مهرجان البلور/ للمخرج عمار العرادي ، و/ الحياة الشائكة / للمخرج سالم شدهان ، و / دمعة رجل / للمخرجة دنيا القباني ، و/من قاع المدينة / للمخرج جمال عبد جاسم ، و/ باسطو الامن / للمخرج هاشم ابو عراق.)
.. وهذا التخصيص يحمل في طياته ادانة لمن قرر هذا القرار وخصص هذه النماذج :ـ
1- بالنسبة للعديد من هؤلاء قد تم حصولهم على اكثر من فرصة منذ الثمانينات والتسعينات دون ان يقدموا افلاما مؤثرة واختيارهم ثانية يوشي بان الامر لن يخرج عن ذات المستوى الذي قدموه في افلام سابقة.. ماذا ننتظر من محمد شكري جميل الذي كان من المقربين والمداحين للدكتاتور وحسب قوله المنشور على اليوتوب بأن صدام هو قائد وهبه الله لحكم العراق.. أي ان الديكتاتور مدعوم الهيا ومنزه حسب وجهة نظره كبوق للديكتاتورية.. وهاهو يعود ثانية ويمنح المال الانتاجي والفرصة التي تسرق ممن في اعتقادي انه سيقدم افضل مما سيقدمه محمد شكري جميل.. لقد توفر له المال الوفير والاجهزة المتقدمة وكل عوامل النجاح الانتاجي من قبل حكومة صدام .. لكن ماذا قدم.. وماذا حصدت افلامه من جوائز في المهرجانات.. وبكل ذلك الدعم الصدامي له نسأل ماهو موقعه ضمن المشهد السينمائي العالمي..؟ لاشئ...كم هي كلفة انتاج فيلمه القادم.. يجب ان تعلن وبشفافية.. ماهي الامكانيات الانتاجية التي ستوفر له؟؟ وهل يحقق فيلمه الوصول الى عتبة مهرجان كان مثلا؟؟هل مؤسسة السينما والمسرح مختبر تجارب للعاطلين عن الابداع .. وإذا لم يحقق هذا الفيلم مردودات انتاجية او جوائز عالمية فمن يدفع الخسارة الانتاجية للفيلم.. انني اشير بإصبع الاتهام واصرخ عاليا بوجه وزارة الثقافة ومؤسسة السينما والمسرح ان يخضع الامر للدراسة قبل اتخاذ القرار النهائي وصرف الاموال التي ستضيع سدى.. والا سيكون لنا كلام اخر نكشف به المستور لكل الشخوص على رأس الهرم الاداري في الوزارة والمؤسسة ولن ترهبنا اساليب التسكيت الاجرامية التي استخدمت مع غيرنا ..
2- بالنسبة الى فاروق القيسي وجمال عبد جاسم وهاشم ابو عراق.. جميعهم يعملون مخرجين في الفضائيات ولم يسبق لي التعرف على نتاج دينا القباني..وقدمت لهؤلاء الامكانيات الهائلة من قبل قناة الشرقية والبغدادية والسومرية .. الخ ، فماذا قدموا وماهو مستوى نتاجاتهم.. انها السينما يامعالي وزير الثقافة وحضرة الدكتور شفيق المهدي.. هذه ليست مسلسلات تلفزيونية لشهر رمضان لنغض الطرف عنها ..وإنها فرصة لن تتكرر وسوف لن تقوم قائمة للسينما في العراق اذا سلمت الفرص لغير مستحقيها من اصحاب الرؤى الخلاقة في السينما وبدون دراسات وخطط تنموية حقيقية، وبيد رجال اقل صفاتهم الابداع والنزاهة وحب البلد.. ليست الغاية تقديم الافلام لتركن على الرفوف بعد سنة.. وإنما النهوض الخلاق بصناعة السينما العراقية كمشروع حضاري يعيد الألق للعراق.. التعهد بالحصول على جوائز من قبلهم هو الفيصل وإلا سيتحملون تكاليف الانتاج في حالة تقديم افلام لاترتقي الى المستوى المرتجى..
3- اما فيصل الياسري فهو لايحتاج الى اموال لإنتاج فيلمه فهو صاحب قناة فضائية ويمكن ان يوفر لنفسه ولإبداعه الغالي والنفيس .. فلماذا سكت هذه المدة الطويلة وبيده وسائل وأدوات الإنتاج السينمائي هل هي الرغبة بسرقة الفرصة ممن لم تتوفر له فرصة او هي الرغبة بالبقاء في مقدمة المشهد.. ماذا قدم فيصل الياسري للسينما عدا فيلم الرأس البائس اخراجا وموضوعا وماذا حصد من جوائز عبر مسيرته الاخراجية؟.. ان يقدم برنامج افتح ياسمسم فتلك مسألة مختلفة تماما وليست شهادة له وجواز مرور..
4- ونصل الى عمار العرادي فهو مدرس في كلية الفنون الجميلة وبيده كل الاجهزة ويمكن ان يخرج ويقدم أفلامه اطالب فقط بان يقدم تعهد بحصول فيلمه على جائزة في احد المهرجانات العالمية ، حينها يستحق الفرصة هذه وإلا سيدفع قيمة انتاج الفيلم .. وكذلك صديقي سالم شدهان فيجب ان يخضع لهذا الأمر ايضا..ومعه جميع من يحصل على فرصة في هذا المشروع الذي سوف لن يتكرر..
5- نطالب بإقامة عروض لتقييم الافلام التي اكتملت ومنها ماقدمه اسعد الهلالي وهادي ماهود والآخرين.. مرة اخرى لن يكون البلد حقل تجارب وهذا لن يكون اقل فسادا مما ينتشر في المرافق الاخرى كالكهرباء والطرق..الخ.. لكن الخطورة اكبر لان هذا الامر سيقزم الفكر والوعي والثقافة، حيث الابداع هو وجه الشعوب ومقاس رقيها ..
6- نطالب بتقديم كشوفات عن قيمة انتاج كل فيلم وقيمة المبلغ المخصص اجمالا للمشروع درءا لأي مفسدة او فاسد يتربص..ولااعتقد ان وزير الثقافة ورئيس مؤسسة السينما والمسرح يرفض هذا الاجراء لأنه سيحمي الجميع من الاقاويل والوشايات ..
..اخيرا ارجو الاصغاء لنا في هذا المقال وان لا نضطر الى الصراخ عاليا بوجه من يقوض هذه الفرصة متقصدا الامر او نتيجة السهو.. اننا ذكرنا..عسى ان تنفع الذكرى. وإلا الكلام سيكون الكلام بطعم الحنظل على كل من يحول المشروع هذا الى وليمة للفساد ولن نقبل بأضعف الايمان منزلة وإنما سنقود اشياءا اخرى توقف تداعي هذا المشروع وتقوضه..
orukali8@hotmail.com
مخرج سينمائي