بيعة الغدير تصنف على انها اضخم حدث تاريخي في عمر الاسلام، حيث تنتقل فيها قيادة الدعوة الإسلامية، من الرسول القائد إلى الوصي امير المؤمنين علي عليه السلام.
نستعرض بعض جوانب الواقعة ليس للإستهلاك التاريخي، أو للسرد القصصي الذي يكتفي به الكثير من المحدثين والمنبريين المعاصرين، وللأسف وقع الحادثة لا يعبر عنه بشكل فلسفي وواقعي، ليفهمه العقل الذي بات يتهرب من قراءة التاريخ، نتيجة لتزاحم الافكار الطارئة التي ملأت داتا الذهن واخذت تختزن فيه، بمشاهد الاحلام ومناظر الإعجاز البعيدة عن الواقع الذي لا يمكن تحقيقه.
المخالفون المعاصرون للمذهب الشيعي، الذين اقتربت عقائدهم من اليهود، يستهزئون بمهرجان الغدير الذي أقامه رسول الله صلى الله عليه وآله، سنة 11 هجرية في يوم 18 من ذي الحجة، أمام اكثر من مائة ألف حاج، وأكثر من مائة راوٍ ومُحدث، يدعون أن الحادثة لو كانت حقيقية بمشاهدة هذا الكم الهائل من الشهود والمدونين والصحفيين لما اختفت، ولما تركت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، غير مبالين للوثائق التي اُخفيت في الواحهم ودسرهم، التي انطوت على ثلاثمائة آية فقط في علي، غير آلاف الأحاديث النبوية فيه.
يعد السؤال الذي طرح أعلاه منطقياً، من ناحية الاستفهام واتجاهات التلاعب بالوعي المجتمعي، وحول طرق اختفاء الأدلة لهذا الحدث الكبير، ولإثبات او إزالة الشك والتشبيه، والتأكد من وجود جُناة في مسرح الغدير، ساهموا في قتل المهمة اعلامياً ، يمكن الإجابة والرد على هذه التساؤلات، بالعودة للبيئة التي طرح فيها مشروع الغدير، وتحليل نوع وصيرورة المخلوقات البشرية التي تعرضت للنبأ الإلهي العظيم، وما هي قابلية وفاعلية الانبعاث النبوي فيها.
يلاحظ من خلال القراءة الاولية، أن هناك خللاً في المجتمع المحيط بالنبي صلى الله عليه وآله، والسكان القاطنين في المحمية الرسالية، استولت عليهم امراض الحسد وأوبئة الحقد والضغينة، واصطرعتهم آفات وعلل منها:
1- مجاميع مرض النفاق: وهم الزمر التي كانت تظهر خلاف ما تبطن، ولا تنام الليل او تهيد في النهار، وكان دورها زرع الشك وإثارة الفتن في نفوس الناس، وتأليبها على النبي محمد صلى الله عليه وآله، وتفجير الخلافات بين المهاجرين والانصار، وكان اخطر المنافقين وهو من يترأسهم عبد الله بن أُبي ابن سلول.
2- مجاميع المصابين بالحسد والضغينة: هي الجماعات التي تتمنى زوال نبوة محمد صلى الله عليه وآله، لتذهب معها قرابة عليٍ عليه السلام، فيعودوا لقيادة الفساد في المدينة المنورة.
3- افواج الأعراب: هي الفرق التي دخلت الإسلام في نهايات حياة النبي صلى الله عليه وآله، إذ لم يدخل الإيمان في قلوبها، وانقلبت بعد وفاة النبي افواجاً افواجاً.
يتضح مما تقدم أن المجتمع الإسلامي، كانت تتلاطم فيه امواج عاتية من التيارات المخالفة، وتبدو نسبها هيّ الأعلى من الموالين للرسول صلى الله عليه وآله، وهذا يظهر أن المؤيدين للنبي وعلي عليهما السلام، كانوا قلة ويعدون بأصابع اليدين امثال (عمار بن ياسر، وابي ذر، والمقداد ومالك وسلمان، وميثم التمار وحجر بن عدي، وكميل بن زياد وعبدالله بن عباس، وجابر الانصاري) ودليل ذلك أن أمير المؤمنين عليه السلام، بعد وفاة النبي طلب أربعين رجلاً فقط، ان يلتحقوا به ليعدن ميزان الحق إلى نصابه، ويقيم دولة العدل الإلهي، ولكن العدد لم يكتمل.
إن المائة ألف شاهد كانوا اصلاً هم مخالفون للنبي، وكان الدين لعق على السنتهم، وبعد شهادة النبي انقلبوا مع قادتهم، واخفوا ما شهدوه لعلي عليه السلام، واصروه لولاتهم واصناهم.
|