• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : رواية بيت الحرير .. حكايات القاهرة التي لا تنام ليلاً .
                          • الكاتب : فيصل عبد الحسين .

رواية بيت الحرير .. حكايات القاهرة التي لا تنام ليلاً

في الكثير من الانتفاضات والأحداث الكبرى في العالم يكون المتن الروائي، الذي ينجز عنها جزءاً من تاريخها الإنساني. ومن دون ذلك السَّرد لا تشكل تلك الأحداث ذاكرة حية ومؤثرة لمن عاشها، وساهم فيها أو لمن تأمل أحداثها بعد ذلك.
ما سطرته رواية”بيت الحرير”لعلاء خالد، الصَّادرة عن دار الشروق ــ القاهرة، مؤخراً من محافل سرديّة للاحتفاء بسيرة “دولت”وبعض نماذج الطبقة الوسطى المصرية، الذين عاشوا مظاهرات 25 يناير2011 في القاهرة.

حكايات كثيرة عن القاهرة جاءت في الرواية وصفت سلوكات ساهمت في تجذير أحداث تلك الأيام، وما بعدها في الأذهان، وستحفظه من المحو، والنسيان لفترة طويلة.

أسَّست الرواية لمحافل سردية دارت في جغرافيا واسعة من القاهرة، كميدان التحرير، شارع محمد محمود، وحي روكسي، وأحياء القاهرة الراقية، كحي الحلمية الجديدة، مصر الجديدة، باب زويلة، محطة رمسيس، شارع كلوت بك، وسوق الخيامية.
ليل القاهرة

كانت الشوارع ميعاداً مفتوحاً لكل مواعيد الحياة المؤجلة، فكان”محسن الحكيم”الصحفي، يسرد محافل الرواية، فيصف”دولت”الشابة المتمرِّدة على تقاليد أسرتها، والمنضوية ضمن الجماهير المتظاهرة بأنه يراها كأشباهها من فتيات المشاركات بشعورهن المنكوشة، وسحائب الدخان الأزرق تسير أينما يسرن؛ وقفزاتهن المرنة في الهواء لا تتوقف، كأنهن راقصات بالية.

علاقة محسن الحكيم”الشيخ الخمسيني” بدولت العشرينية ذكرت من جوانب كثيرة بروايات الحب المستحيل بين طرفين غير متكافئين. أضاف الكاتب إليها رؤية مأخوذة عن”الرواية الأخلاقية البناءة”من خلال علاقة صداقة فكرية، مجردة من الدوافع بين شيخ وشابة بشكل مغاير لما يحدث في روايةك”لوليتا”للكاتب الروسي نابكوف”أو”عوليس”للأيرلندي جيمس جويس، ونجيب محفوظ في”ميرمار”، وعلاء الأسواني في”شيكاغو”وغيرهم.

وقد وصف السارِدُ علاقة الطرفين بأن الأول يفتح ذراعيه لنهر الماضي بينما”دولت”الطرف الثاني تفتح ذراعيها لنهر المستقبل. جمعت المظاهرات بين النَّقيضين: فتاة قليلة الثقافة والنضج تمرِّدت على سلطة أبيها بعد وفاة أمها بداء السرطان، فسئمت لعب دور الأم البديلة لأخوتها”ميادة”و”محمود”الذي يعاني من تخلّف عقلي بسيط، فقررتْ العيش مستقلة عن الأسرة بشقة مفروشة، وعمل وقتي في إحدى القنوات التلفزية، و”محسن الحكيم” الكاتب والصحافي، الذي خبر الحياة، ونهل من تجاربها من خلال عمله ومعارفه.
كانت مشكلة الحكيم الأساسية، أنه كان يرى نفسه في الخمسين محصناً ضد هذا الحب الخاطف، فالخمسون كما كتب في أحد مقالاته، هي سن اكتمال نصف دورة من الحياة. يكون صاحبها كسفينة نوح تحمل بداخلها كل الأنواع من مخلوقات الله من دون أن تكون بينها وبينهم علاقة غير علاقة السفر.

ويبدو أن هذا النوع من العلاقات، مع هذه الشابة المتمرِّدة التي تعيش ظروفاً صعبة في مدينة القاهرة التي لا تنام ليلاً في تلك الأيام الضاجة، لم يكن ضمن ركاب السفينة”وكان يفكر بما يعيشه من تناقضات الواقع؛ معتبراً أن الحياة لم تقم على المساواة قط بل على الفوارق؛ الفارق بين عمرين، طبقتين، قوتين، والذي يتم جسره بالإيمان، الحروب، المعارك، العدالة، وبالثورة؛ حتى يصبحا متساويين، أو لا يصبحان.” ويصل إلى حقيقة كانت غائبة عنه:”أننا كبشر ضحايا السعي الدائم للمستحيل، لما هو غير قابل للحدوث أبداً. وكلما ازداد تعلقه بدولت شعر بتأنيب الضمير اتجاه زوجته سناء معتبراً أن علاقته الطارئة بدولت، هي السبب، لكنه كان يرى أيضاً، أنه داخل تجربة وجودية، ولا يمكن أن يخرج منها أو ينسحب أو يعلن استسلامه بسبب خوفه من شعوره بالذنب.
وأتاح سفر زوجته إلى كندا بصحبة والدتها لزيارة أختها بعد المطاهرات بشهرين الى تغوَّل علاقته بدولت التي بدأت تخترق الخطوط الحمراء بسؤاله عن خصوصيات علاقته بزوجته. والذي زاد الأمر سوءاً تمديد زيارة الزوجة في كندا عدة مرات بسبب تأجج الأحداث في مصر، وحالما حدست بمشاعر زوجها تتجه إلى امرأة أخرى، فطلبت منه الانفصال.

وسط البلد

طرحت الرواية إشكاليتها النصيّة، من خلال علاقة”دولت”بالمظاهرات، وما مثلته لها من علاج نفسي، فقالت عنها”وجدت أن الفرصة متاحة لخروج شخصية جديدة واضحة بدأت أحس بها كجنين يتحرك في بطني.”
أجواء المظاهرات ومفاجأتها، وانكساراتها، وقنابل الدخان، والكر والفر، والأصدقاء الذين تعرفت عليهم”دولت”والدنيا الجديدة التي خلقت في منطقة وسط البلد، خلقت منها امرأة أخرى لا تمت بصلة لدولت.
وتشكَّلت علاقات”دولت”بعائلتها من خلال ماضي طفولتها ومراهقتها معهم، وفترة مرض أمها ووفاتها. كانت شابة محافظة مثل أختها”ميادة”وتعيش ضمن ضوابط الأسرة، ولكن ما أن بدأت الجماهير تنزل إلى ميادين القاهرة رافضة ما آلت إليه أوضاع البلاد من تدهور، حتى نزعت حجابها، متمرِّدة على الأب، صاحب متجر لبيع المواد الاحتياطية، فحاول منعها من المشاركة في المظاهرات بحجزها في غرفة من البيت، ومنعها من الخروج.

لكنها بعد أيام من الحجز خرجت إلى ميادين المظاهرات، وتعيش حياة مستقلة في غرفة مفروشة مزدحمة بالمتظاهرين فتؤجر”كنبة” للنوم عليها في غرفة مكتظة بأمثالها. وتنتقل بعد ذلك من سكن متواضع إلى آخر، وبالكاد ما تحصل عليه من مال من عملها في إحدى القنوات يكاد يكفي لدفع كراء أمكنة عيشها المتواضع. وترتبط بعلاقة حب بأحد قادة المظاهرات”مصعب”وتحوَّلت علاقتها به بسرعة إلى علاقة وطيدة، بالرغم من أن مصعب يخشى أن يلاحظ أحد علاقتهما الحميمية، بينما كانت صداقتها بمحسن الحكيم في ذات الفترة، لا تتعدى تبادل الأفكار، والعناق الأبوي، أو من خلال بث إشارات إعجاب له من خلال مدونتها”التمبلر”.

وما أن تشعر أن علاقتها بمصعب صارت نوعاً من العبثية، ولمست عدم جديته في علاقته بها وقررت مع نفسها الابتعاد عنه. ويسجن مصعب بسبب المظاهرات، فتعقد”دولت”صداقة جديدة مع”منسي”المتصوف للبحث عن”الذات العليا”لكنها تقول عن منسي، أنه لايتورع عن التحشيش بين فترة وأخرى. وبدوره عرفها بشيخ الصوفيين، الذي حاول من طرف خفي أن يغويها بعد تعرفه عليها.
تميزت الرواية بقراءة نفسية عميقة لأبطالها، وبلغتها الشعرية، إلا أن مدوَّنات دولت باللهجة العامية أثقلت أنسيابية السرد. كما أن اشتغال السارد على العديد من المحافل السرديّة أعطى تفسيرات مختلفة للأحداث. وقد وضع السارد لكل محفل عنواناً، لئلا تفقد الرواية دينميتها.

النهاية المفتوحة لرواية”بيت الحرير”بمجيء محسن الحكيم فجراً إلى المكتبة، التي قررت”دولت”أن تقضي ليلتها فيها، معتقداً أنها انتحرت، أضاف رمزية مؤثرة لحياة ثانية ل”دولت”المهزومة، وفتح آفاق الأمل أمامها، مما حمله لها نورالفجر الجديد من فرح.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=188873
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 11 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15