جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن ماله "وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ" ﴿الليل 11﴾ مَالُهُ: مَالُ اسم، هُۥ ضمير، وأما مَن بخل بماله واستغنى عن جزاء ربه، وكذَّب بـ"لا إله إلا الله" وما دلت عليه، وما ترتب عليها من الجزاء، فسنُيَسِّر له أسباب الشقاء، ولا ينفعه ماله الذي بخل به إذا وقع في النار، و "الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ" ﴿الليل 18﴾ وسيُزحزَح عنها شديد التقوى، الذي يبذل ماله ابتغاء المزيد من الخير، وليس إنفاقه ذاك مكافأة لمن أسدى إليه معروفا، لكنه يبتغي بذلك وجه ربه الأعلى ورضاه، ولسوف يعطيه الله في الجنة ما يرضى به، و "يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ" ﴿الهمزة 3﴾ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ: أيظن أنه يخلد بهذا المال لا يموت، يظن أنه ضَمِنَ لنفسه بهذا المال الذي جمعه، الخلود في الدنيا والإفلات من الحساب، و "مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ" ﴿المسد 2﴾ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ: أي لن يغني عنه ماله من عذاب الله شيئا، ما أغنى عنه ماله وولده، فلن يَرُدَّا عنه شيئًا من عذاب الله إذا نزل به، و "قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا" ﴿نوح 21﴾ مَالُهُ: مَالُ اسم، هُۥ ضمير، مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ: الرؤساء والأغنياء، قال نوح: ربِّ إن قومي بالغوا في عصياني وتكذيبي، واتبع الضعفاء منهم الرؤساء الضالين الذين لم تزدهم أموالهم وأولادهم إلا ضلالا في الدنيا وعقابًا في الآخرة، ومكر رؤساء الضلال بتابعيهم من الضعفاء مكرًا عظيمًا، وقالوا لهم: لا تتركوا عبادة آلهتكم إلى عبادة الله وحده، التي يدعو إليها نوح، ولا تتركوا وَدًّا ولا سُواعًا ولا يغوث ويعوق ونَسْرا وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، وكانت أسماء رجال صالحين، لما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن يقيموا لهم التماثيل والصور، لينشطوا بزعمهم على الطاعة إذا رأوها، فلما ذهب هؤلاء القوم وطال الأمد، وخَلَفهم غيرهم، وسوس لهم الشيطان بأن أسلافهم كانوا يعبدون التماثيل والصور، ويتوسلون بها، وهذه هي الحكمة من تحريم التماثيل، وتحريم بناء القباب على القبور، لأنها تصير مع تطاول الزمن معبودة للجهال. وقد أضلَّ هؤلاء المتبوعون كثيرًا من الناس بما زيَّنوا لهم من طرق الغَواية والضلال. ثم قال نوح عليه السلام: ولا تزد يا ربنا هؤلاء الظالمين لأنفسهم بالكفر والعناد إلا بُعْدا عن الحق. فبسبب ذنوبهم وإصرارهم على الكفر والطغيان أُغرقوا بالطوفان، وأُدخلوا عقب الإغراق نارًا عظيمة اللهب والإحراق، فلم يجدوا من دون الله مَن ينصرهم، أو يدفع عنهم عذاب الله. قوله عز من قائل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" ﴿البقرة 264﴾ يا من آمنتم بالله واليوم الآخر لا تُذْهِبُوا ثواب ما تتصدقون به بالمنِّ والأذى، فهذا شبيه بالذي يخرج ماله ليراه الناس، فيُثنوا عليه، وهو لا يؤمن بالله ولا يوقن باليوم الآخر، فمثل ذلك مثل حجر أملس عليه تراب هطل عليه مطر غزير فأزاح عنه التراب، فتركه أملس لا شيء عليه، فكذلك هؤلاء المراؤون تضمحلُّ أعمالهم عند الله، ولا يجدون شيئًا من الثواب على ما أنفقوه. والله لا يوفق الكافرين لإصابة الحق في نفقاتهم وغيرها.. قوله عز وجل "مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ" ﴿الحاقة 28﴾ مَالِيَهْ: مَالِ اسم، يَهْ ضمير، مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ: لم يدفع عني العذاب، وَأمَّا من أعطي كتاب أعماله بشماله، فيقول نادمًا متحسرًا: يا ليتني لم أُعط كتابي، ولم أعلم ما جزائي؟ يا ليت الموتة التي متُّها في الدنيا كانت القاطعة لأمري، ولم أُبعث بعدها، ما نفعني مالي الذي جمعته في الدنيا، ذهبت عني حجتي، ولم يَعُدْ لي حجة أحتج بها.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "وما يغني عنه ماله إذا تردى" (الليل 18) أي سقط في النار عن قتادة وأبي صالح. وقيل: إذا مات وهلك عن مجاهد. وقيل للحسن: إن فلاناً جمع مالاً فقال هل جمع لذلك عمراً قالوا لا قال فما تصنع الموتى بالأموال. قوله سبحانه "مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ" (المسد 2) أي ما نفعه ولا دفع عنه عذاب الله ماله وما كسبه ويكون ما في قوله "وما كسب" موصولة والضمير العائد من الصلة محذوف وقيل معناه أي شيء أغنى عنه ماله وما كسب يعني ولده لأن ولد الرجل من كسبه وذلك أنه قال لما أنذره النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالنار إن كان ما تقول حقا فإني أفتدي بمالي وولدي ثم أنذره سبحانه بالنار فقال "سيصلى نارا ذات لهب" (المسد 3) أي سيدخل نارا ذات قوة واشتعال تلتهب عليه وهي نار جهنم وفي هذا دلالة على صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وصحة نبوته لأنه أخبر أن أبا لهب يموت على كفره وكان كما قال.
جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى "قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا" ﴿نوح 21﴾ "قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا" أي السفلة والفقراء "من لم يزده ماله وَوُلْدُهُ" وهم الرؤساء المنعم عليهم بذلك، وولد بضم الواو وسكون اللام وبفتحهما، والأول قيل جمع ولد بفتحهما كخشب وخشب وقيل بمعناه كبخل وبخل "إلا خسارا" طغيانا وكفرا. وقوله سبحانه "وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ" ﴿الليل 11﴾ "وما" نافية "يغني عنه ماله إذا تردَّى" في النار. و "الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ" ﴿الليل 18﴾ "الذي يؤتي ماله يتزكى" متزكيا به عند الله تعالى بأن يخرجه لله تعالى لا رياء ولا سمعة، فيكون زاكيا عند الله. و "يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ" ﴿الهمزة 3﴾ "يحسب" لجهله "أن ماله أخلده" جعله خالدا لا يموت. و "مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ" ﴿المسد 2﴾ "ما أَغنى عنه ماله وما كسب" أي وكسبه، أي ولده ما أغنى بمعنى يغني.
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ" (الهمزة 3) وعيد شديد للمغرمين بجمع المال المستعلين به على الناس المستكبرين عليهم فيزرون بهم ويعيبونهم بما ليس بعيب، والسورة مكية. أي يخلده في الدنيا ويدفع عنه الموت والفناء فالماضي أريد به المستقبل بقرينة قوله: " يحسب ".
فهذا الانسان لاخلاده إلى الأرض وانغماره في طول الامل لا يقنع من المال بما يرتفع به حوائج حياته القصيرة وضروريات أيامه المعدودة بل كلما زاد مالا زاد حرصا إلى ما لا نهاية له فظاهر حاله أنه يرى أن المال يخلده، ولحبه الغريزي للبقاء يهتم بجمعه وتعديده، ودعاه ما جمعه وعدده من المال وما شاهده من الاستغناء إلى الطغيان والاستعلاء على غيره من الناس كما قال تعالى: "إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى" (العلق 7)، ويورثه هذا الاستكبار والتعدي الهمز واللمز. إن المال وإن كثر ما كثر لا يغني عن صاحبه شيئا غير أن له منه ما يصرفه في حوائج نفسه الطبيعية من أكلة تشبعه وشربة ماء ترويه ونحو ذلك و "عدده" (الهمزة 2) من العد بمعنى الاحصاء أي إنه لحبه المال وشغفه بجمعه يجمع المال ويعده عدا بعد عد التذاذا بتكثره. وقيل: المعنى جعله عدة وذخرا لنوائب الدهر. قوله تعالى "مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ" (الحاقة 28-29) كلمتا تحسر يقولهما حيث يرى خيبة سعيه في الدنيا فإنه كان يحسب أن مفتاح سعادته في الحياة هو المال والسلطان يدفعان عنه كل مكروه ويسلطانه على كل ما يحب ويرضى فبذل كل جهده في تحصيلهما وأعرض عن ربه وعن كل حق يدعى إليه وكذب داعيه فلما شاهد تقطع الأسباب وأنه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ذكر عدم نفع ماله وبطلان سلطانه تحسرا وتوجعا وما ذا ينفع التحسر؟
جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا" (نوح 21) هذا تقرير من نوح أو شكوى يرفعها إلى سيده ، ويقول فيها: إلهي وسيدي أرسلتني لهداية عبادك المشركين ، وقد أديت الرسالة على وجهها ، ولكنهم أعرضوا عني وعنها ، واستجابوا للرؤساء الذين أطغاهم ما هم فيه من الأموال والأولاد ، وكلما ازدادوا مالا وأولادا ازدادوا كفرا وعنادا ونشطوا في محاربة الحق وأهله حرصا على جاههم ومكاسبهم. قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" (البقرة 264) بيّن سبحانه فيما سبق أن ترك المن والأذى شرط لحصول الأجر والثواب على البذل والإنفاق ، وان عدم الصدقة ، مع قول معروف خير منها مع المن والأذى ، وان من يبذل بلا من وأذى يضاعف له الأجر والثواب بلا حد وحساب ، وضرب لذلك مثلا بحبة عادت على الزارع ب 700 ضعف. بعد أن بيّن هذا كله ضرب في هذه الآية مثلا لأصحاب المن والأذى بالمنافق المرائي الذي ينفق ماله طلبا لثناء الناس وحمدهم ، لا ابتغاء مرضاة اللَّه وثوابه. وقوله تعالى: "ولا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِر" (البقرة 264) المراد به أن عمل المرائي ، وعمل الكافر سواء ، لأن كلا منهما لم يبتغ وجه اللَّه ، ومن هنا تواتر الحديث في ان الرياء شرك خفي.