تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن قرية "وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ۚ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ" ﴿الأنعام 92﴾ الْقُرَى: الْ اداة تعريف، قُرَى اسم، وهذا القرآن كتاب أنزلناه إليك أيها الرسول عظيم النفع، مصدق لما تقدمه من الكتب السماوية، أنزلناه لنخوِّف به من عذاب الله وبأسه أهل "مكة" ومن حولها من أهل أقطار الأرض كلها. والذين يصدقون بالحياة الآخرة، يصدقون بأن القرآن كلام الله، ويحافظون على إقام الصلاة في أوقاتها، و "ذَٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ" ﴿الأنعام 131﴾ إنما أعذرنا إلى الثقلين بإرسال الرسل وإنزال الكتب، لئلا يؤاخَذَ أحد بظلمه، وهو لم تبلغه دعوة، ولكن أعذرنا إلى الأمم، وما عذَّبنا أحدًا إلا بعد إرسال الرسل إليهم، و "وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" ﴿الأعراف 82﴾ قَرْيَتِكُمْ: قَرْيَتِ اسم، كُمْ ضمير، قريتكم: هي القرية التي بُعث لوط إلى أهلها و تدعى سَدوم، وما كان جواب قوم لوط حين أنكر عليهم فعلهم الشنيع إلا أن قال بعضهم لبعض: أخرجوا لوطًا وأهله من بلادكم، إنه ومن تبعه أناس يتنزهون عن إتيان أدبار الرجال والنساء، و "قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۚ قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ" ﴿الأعراف 88﴾ قَرْيَتِنَا: قَرْيَتِ اسم، نَا ضمير، قال السادة والكبراء من قوم شعيب الذين تكبروا عن الإيمان بالله واتباع رسوله شعيب عليه السلام: لنخرجنك يا شعيب ومَن معك من المؤمنين من ديارنا، إلا إذا صرتم إلى ديننا، قال شُعيب منكرًا ومتعجبًا من قولهم: أنتابعكم على دينكم ومِلَّتكم الباطلة، ولو كنا كارهين لها لعِلْمِنا ببطلانها؟ و "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" ﴿الأعراف 96﴾ الْقُرَى: الْ اداة تعريف، قُرَى اسم، ولو أنَّ أهل القرى صدَّقوا رسلهم واتبعوهم واجتنبوا ما نهاهم الله عنه، لفتح الله لهم أبواب الخير من كلِّ وجه، ولكنهم كذَّبوا، فعاقبهم الله بالعذاب المهلك بسبب كفرهم ومعاصيهم، و "أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ" ﴿الأعراف 97﴾ أيظن أهل القرى أنهم في منجاة ومأمن من عذاب الله، أن يأتيهم ليلا وهم نائمون؟
جاء في التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: وقوله سبحانه "لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها" (الانعام 92) تعليل لهذا الإيحاء. والمراد بأم القرى: أهلها.
وسميت مكة بأم القرى، لأنها مكان أول بيت وضع للناس، ولأنها قبلة أهل القرى كلها ومحجهم، ولأنها أعظم القرى شأنا وغيرها كالتبع لها، كما يتبع الفرع الأصل، أى: أوحينا إليك هذا القرآن لتنذر به أهل أم القرى، ولتنذر به أيضا من حولها من أهل القرى الأخرى. وخص أهل أم القرى ومن حولها بالذكر في الإنذار، لأنهم أقرب الناس إليه صلّى الله عليه وسلّم كما قال تعالى في آية أخرى "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" (الشعراء 214). وليس معنى هذا التخصيص أن رسالته صلّى الله عليه وسلّم كانت إليهم وحدهم، لأن هناك آيات أخرى كثيرة قد صرحت بأن رسالته صلّى الله عليه وسلّم كانت إلى الناس كافة. أى: ولتنذر بهذا الكتاب أم القرى أى مكة، ومن حولها من أطراف الأرض شرقا وغربا لعموم بعثته صلى الله عليه وسلم قال تعالى "وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ" (الانعام 19) وقال تعالى "قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً" (الاعراف 158)، وسميت مكة بأم القرى لأنها مكان أول بيت وضع للناس، ولأنها قبلة أهل القرى كلها ومحجهم، ولأنها أعظم القرى شأنا وغيرها كالتبع لها كما يتبع الفرع الأصل، وفي ذكرها بهذا الاسم المنبئ عما ذكر إشعار بأن إنذار أهلها مستتبع لإنذار أهل الأرض كافة. وقوله سبحانه: "ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ" (الانعام 131). وقوله عز وجل: "وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُون" (هود 117)، ولأن الله- تعالى قيد الإهلاك بكونه قبل يوم القيامة، وكونه كذلك يقتضى أنه للقرى الظالمة. إذ الإهلاك يوم القيامة يشمل جميع القرى، سواء أكان أهلها مؤمنين أم كافرين، بسبب انقضاء عمر الدنيا. قوله سبحانه " وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ" (الاعراف 82) أى: وما كان جواب الطغاة المستكبرين على نصائح نبيهم لوط عليه السلام إلا أن قال بعضهم لبعض أخرجوا لوطا ومن معه من المؤمنين من قريتكم سدوم التي استوطنتموها وعشتم بها.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "قال الملا الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أو لو كنا كرهين" (الاعراف 88) التفسير: هذه الآيات تستعرض رد فعل قوم شعيب مقابل كلمات هذا النبي العظيم المنطقية، وحيث أن الملا والأثرياء المتكبرين في عصره كانوا أقوياء في الظاهر، كان رد فعلهم أقوى من رد فعل الآخرين. إنهم كانوا - مثل كل المتكبرين المغرورين يهددون شعيبا معتمدين على قوتهم وقدرتهم، كما يقول القرآن الكريم: قال الملا الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا. قد يتصور البعض من ظاهر هذا التعبير " لتعودن إلى ملتنا " (الاعراف 88) أن شعيبا كان قبل ذلك في صفوف الوثنيين، والحال ليس كذلك، بل حيث إن شعيبا لم يكن مكلفا بالتبليغ، لذلك كان يسكت على أعمالهم، وكانوا يظنون أنه كان على دين الوثنية، في حين أن أحدا من النبيين لم يكن وثنيا حتى قبل زمان النبوة، وإن عقول الأنبياء ودرايتهم كانت أسمى من أن يرتكبوا مثل هذا العمل غير المعقول والسخيف، هذا مضافا إلى أن هذا الخطاب لم يكن موجها إلى شعيب وحده، بل يشمل المؤمنين من أتباعه أيضا ويمكن أن يكون هذا الخطاب لهم. قوله سبحانه "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض" (الاعراف 96)، أي لو أنهم سلكوا سبيل الإيمان والتقوى، بدل الطغيان والتمرد وتكذيب آيات الله والظلم والفساد، لم يتخلصوا من غضب الله وعقوبته فسحب، بل لفتحت عليهم أبواب السماء والأرض. ولكن للأسف تركوا الصراط المستقيم الذي هو طريق السعادة والرفاه والأمن، وكذبوا الأنبياء، وتجاهلوا برامجهم الإصلاحية، فعاقبناهم بسبب أعمالهم ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون. قوله تعالى "أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ" ﴿الأعراف 97﴾ التفسير: التقدم والعمران في ظل الإيمان والتقوى: في الآيات الماضية وقع البحث فيما جرى لأقوام مثل قوم هود وصالح وشعيب ونوح ولوط على نحو الإجمال، وإن كانت تلك الآيات كافية لبيان النتائج المشحونة بالعبر في هذه القصص، ولكن الآيات الحاضرة تبين النتائج بصورة أكثر وضوحا.
في الدعاء عند دخول مدينة أو قرية قال النبي صلى الله عليه واله وسلم لعلي عليه السلام: إذا أردت مدينة أو قرية فقل حين تعاينها: (اللهم إني أسألك خيرها وأعوذ بك من شرها، اللهم حببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا). في الدعاء في المسير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في سفره إذا هبط سبح وإذا صعد كبر. قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: والذي نفس أبي القاسم بيده ما هلل ولا كبر مكبر على شرف من الاشراف إلا هلل ما خلفه وكبر ما بين يديه بتهليله وتكبيره حتى يبلغ مقطع التراب. بإسناده عن عبد الله بن عمر قال:قال رسول الله صلى الله عليه واله يخرج المهدي من قرية يقال لها كرعة.
|