• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : طوفان الاقصى.. نقطة تحول تاريخية في القضية الفلسطينية .
                          • الكاتب : حوراء جبار .

طوفان الاقصى.. نقطة تحول تاريخية في القضية الفلسطينية

 


صباح السبت 7 من تشرين الأول 2023 استيقظ العالم على طوفان هائل ومدمر عصف بالاحتلال الاسرائيلي وقلب موازين المنطقة ككل، ومع كثرة العواصف والزلازل والفيضانات المائية التي شهدها العالم إلى أن هذا الطوفان كان من نوع جديد.. أنه طوفان أصحاب الارض لمقاومة المحتل، أنه طوفان لا يبصر أمامه الا أسوار ومدينة القدس التي صار المحتل الغاشم يعربد فيها صباحا ومساءا، ويعتدي على المصلين ويقيم حفلاته الصاخبة في مساجدها، بل اصبح على مقربة من تحقيق مراده فيما يشيع في قنواته العبرية بشراء البقرات الحمراء وهذا مانقل في تقرير بثته القناة 12العبرية، اكدت فيه ان جماعات استيطانية بالتنسيق مع حكومة الاحتلال أقبلت على شراء 5بقرات حمراء (وفق ماتنص عليه الكتب التوراتية) التقرير كشف دور حكومة الاحتلال في تمويل احضار البقرات وهذا ماتنص عليه كتبهم من ذبحها بعد عامهن الثاني ايذانا لهدم المسجد وبناء هيكلهم المزعوم، وسط سيطرة الشعور بانهزام الفلسطنيين ونسيان قضيتهم، بسبب خذلان العرب وعدوان الغرب وانسداد الأفق.. وفي السنوات الأخيرة كاد النسيان يطوي القضية الفلسطينية، مع  اجتياح حمى التطبيع في المنطقة، والذي دشنته مصر عبر تطبيع علاقاتها مع الاحتلال الصهيوني، تلتها الاردن واخرهم دول الخليج حتى أصبحت الرياض "تقترب كل يوم أكثر فأكثر" من التطبيع مع تل أبيب، وفق ما صرح به في وقت سابق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

ان اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ومحيطها الأسلامي والعربي كانت واحدة من أهم محركات صعود الصهيونية الدينية، والنمو النوعي والكمي في حركة الاستيطان، خاصة بعد صعود تكتل ليكود بقيادة بنيامين نتنياهو إلى السلطة، هذا الانتقال السياسي إلى اليمين الصهيوني المتطرف يتفق مع طبيعة المشروع الأسرائيلي نفسه، من حيث أساسه التوراتي، الذي يعتبر فلسطين كلها وطنا لكل يهود العالم، وقد ساعدت هذه التحولات السياسية في تعزيز قوة المشروع الصهيوني، وتوفير الحماية الكافية، لإبادة الوجود الفلسطيني، سواء بتدمير المساكن والمنشآت الاقتصادية، أو بقتل الفلسطينيين، أو بتهجيرهم و نفيهم خارج الحدود.

ولقد حافظت إسرائيل على تفوقها العسكري في المنطقة، ونُسجت مقولات أسطورية عن استخبارتها النافذة، وعن جيشها الذي لا يقهر بطيرانه وصواريخه ودباباته وبوارجه وحتى رؤوسه النوويه، ليأتي طوفان الاقصى من بضع مئات من المقاتلين الفلسطينيين باسلحتهم الخفيفة ليحولهم  ألى جيش منهزم يستقوي بغيره من دول الاستعمار، واعلان حالة الحرب لأول مرة من 50عام.
 وعلى الرغم من فتح اسرائيل وابل ترسانتها من السماء على غزة لتأكيد علو كعبها في الجو ولتسوم المدنيين الموت للتغطية على هزيمتها المدوية، واذا ما نظرنا بشكل مجرد وقارنا بين قوة الاحتلال الصهيوني والفصائل الفلسطينية بالنسبة للتسليح نرى الهوة الكبيرة بين الطرفين والتي لا يغفلها عاقل والدعم ألا محدود من المجتمع الدولي وعلى رأسهم دول الاستعمار الامبريالية، ألا ان ظروف الحرب بين الفلسطينيين والاسرائيليين اليوم لا تحسمها قط قوة السلاح فعوامل اخرى على راسها ان أهل فلسطين أدرى بشعابها وما اظهروه في طوفان الاقصى لربما ليس الا جبل جليد ما يظهر منه أقل بكثير مما خفي، والفارق الجوهري والحقيقي هو كم الأرادة والأيمان والعقيدة التي يؤمن بها الفلسطينيين بكل مرة يقدمون بها على هذا الفعل يكون منطلقا من دفاعهم عن أرضهم ومقدساتهم وارتباطهم نفسيا وذهنيا ودينيا بها، و بين جيش الهروب والفرار الذي يقدم مرغما على الموت ويخشى بكل ثانية ان يكون ضحية، ومستوطنيين لاتربطهم بهذه الأرض الا وعود كاذبة ولا ضامن لهم الاجوازاتهم من بلدانهم التي ستوردهم منها، فأسرائيل دولة الخرافة  مواطنيها الذين كانوا قبل عملية طوفان الاقصى مواطنين إسرائيليين عادوا إلى أرض الميعاد وجبل الهيكل.. بعد العملية أصبحوا مواطنيين أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين وهولنديين..!! ودولهم تبحث لهم عن سبل الحماية أو الاجلاء الأمن او تأمين حياتهم في الأسر، فسقطت خرافة دولتهم واهتزت اركانها، لان طوفان الاقصى كان شرارة وضربة مباغتة ساحقة للصوره الهلامية التي خدعت بها المنطقة و المحاصرين والمضطهدين في فلسطين.
لهذا كان النظام الدولي غاضبا من غزة بهذا الشكل الى درجة انه مسح عن وجهه القبيح مكياج الانسانية، واصبح يحرض على مسح غزة عن بكرة أبيها، ولا شك أن مثل هذه الضربة لها ما لها ولها ما بعدها، كون هذه الاحداث تشكل نقطة تحول كبيرة في الصراع الفلسطيني وقد تصل الى مرحلة تحول اقليمي من حيث المآل، فقد صدرّ هذا الطوفان القضية الفلسطينية كقضية أقليمية دينية سياسية جوهرية في المنطقة واعادها لموقعها الطبيعي على رأس الهرم، بعد سنوات من التخلي والتهميش. 

وهذا ما أشارت أليه المرجعية العليا في بيانها بشأن غزة وعملية طوفان الأقصى، وانتقام المحتل من المدنيين العزل للتغطية على أنهزامه المدوي،  واستحالة هدوء المنطقة الا بتحرير فلسطين من دنس المحتلين، وهو نموذج للدعم الحقيقي والفعلي للشعب الفلسطيني ومقاومته، لكونه قد ساند المقاومة العسكرية دون الدعوى لوقفها والخضوع لما يسمى بالحوار السياسي، وادان جرائم الكيان بوضوح دون ان يدين وقوع خسائر في صفوف المحتلين كما فعلت الدول العربية المطبعة، ولم يعترف بدولة الاحتلال الغاشم دولة من الاساس، بل اشار لهم  بحقيقتهم الفجة "الأحتلال الصهيوني" وقد أشار الى ان الحل الوحيد هو تحرير الارض كل الارض ليعم السلام في المنطقة ودون ذلك فان المقاومة مستمرة وادناه نص البيان:
            بسم الله الرحمن الرحيم 

يتعرّض قطاع غزّة في هذه الأيام لقصف متواصل وهجمات مكثّفة قلّ نظيرها، وقد أسفر ـ حتى هذا الوقت ـ عن سقوط أكثر من ستة آلاف من المدنيين الأبرياء بين شهيد وجريح، وتسبب في تهجير أعداد كبيرة منهم عن منازلهم، وتدمير مناطق سكنية واسعة، ويستهدف القصف مختلف المناطق حتى لم يعد هناك مكان آمن يأوي اليه الناس.  

وفي الوقت نفسه يفرض جيش الاحتلال حصاراً خانقاً على القطاع شمل في الآونة الأخيرة حتى الماء والغذاء والدواء وغيرها من ضروريات الحياة، ملحقاً بذلك أكبر الأذى بالأهالي الذين لا حول لهم ولا قوة، وكأنّه يريد بذلك الانتقام منهم وتعويض خسارته المدويّة وفشله الكبير في المواجهات الأخيرة. 

ويجري هذا بمرأى ومسمع العالم كله ولا رادع ولا مانع، بل هناك من يساند هذه الأعمال الإجرامية ويبرّرها بذريعة الدفاع عن النفس! 

إن العالم كله مدعوّ للوقوف في وجه هذا التوحش الفظيع ومنع تمادي قوات الاحتلال عن تنفيذ مخططاتها لإلحاق مزيد من الأذى بالشعب الفلسطيني المظلوم. 

إنّ إنهاء مأساة هذا الشعب الكريم ـ المستمرة منذ سبعة عقود ـ بنيله لحقوقه المشروعة وإزالة الاحتلال عن أراضيه المغتصبة هو السبيل الوحيد لإحلال الأمن والسلام في هذه المنطقة، ومن دون ذلك فستستمر مقاومة المعتدين وتبقى دوّامة العنف تحصد مزيداً من الأرواح البريئة. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

(٢٥ - ربيع الأول- ١٤٤٥هـ) الموافق(2023/10/11 م) 

مكتب السيد السيستاني (دام ظله) - النجف الأشرف




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=187592
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 10 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13