تكملة للحلقة السابقة قال الله سبحانه وتعالى عن أدنى ومشتقاتها: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا" ﴿الأحزاب 59﴾ أدنى اسم، يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يرخين على رؤوسهن ووجوههن من أرديتهن وملاحفهن؛ لستر وجوههن وصدورهن ورؤوسهن؛ ذلك أقرب أن يميَّزن بالستر والصيانة، فلا يُتعَرَّض لهن بمكروه أو أذى. وكان الله غفورًا رحيمًا حيث غفر لكم ما سلف، ورحمكم بما أوضح لكم من الحلال والحرام، و "فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ" ﴿النجم 9﴾ أدنى اسم، علَّم محمدًا صلى الله عليه وسلم مَلَك شديد القوة، ذو منظر حسن، وهو جبريل عليه السلام، الذي ظهر واستوى على صورته الحقيقية للرسول صلى الله عليه وسلم في الأفق الأعلى، وهو أفق الشمس عند مطلعها، ثم دنا جبريل من الرسول صلى الله عليه وسلم، فزاد في القرب، فكان دنوُّه مقدار قوسين أو أقرب من ذلك. فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى بواسطة جبريل عليه السلام. ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه بصره، و "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" ﴿المجادلة 7﴾ أدنى اسم، ألم تعلم أن الله تعالى يعلم كل شيء في السموات والأرض؟ ما يتناجى ثلاثة مِن خلقه بحديث سرٍّ إلا هو رابعهم بعلمه وإحاطته، ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أقلُّ من هذه الأعداد المذكورة ولا أكثرُ منها إلا هو معهم بعلمه في أيِّ مكان كانوا، لا يخفى عليه شيء من أمرهم، ثم يخبرهم تعالى يوم القيامة بما عملوا من خير وشر ويجازيهم عليه. إن الله بكل شيء عليم.
جاء في الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ" (يس 20) أقصى المدينة أبعد مواضعها بالنسبة إلى مبدإ مفروض ، وقد بدلت القرية في أول الكلام مدينة هنا للدلالة على عظمها والسعي هو الإسراع في المشي. ووقع نظير هذا التعبير في قصة موسى والقبطي وفيها "وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى" (القصص 20) فقدم "رجل" هناك وأخر هاهنا ولعل النكتة في ذلك أن الاهتمام هناك بمجيء الرجل وإخباره موسى بائتمار الملإ لقتله فقدم الرجل ثم أشير إلى اهتمام الرجل نفسه بإيصال الخبر وإبلاغه فجيء بقوله "يَسْعى" حالا مؤخرا بخلاف ما هاهنا فالاهتمام بمجيئه من أقصى المدينة ليعلم أن لا تواطؤ بينه وبين الرسل في أمر الدعوة فقدم "مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ" (يس 20) وأخر الرجل وسعيه. وقد اشتد الخلاف بينهم في اسم الرجل واسم أبيه وحرفته وشغله ولا يهمنا الاشتغال بذلك في فهم المراد ولو توقف عليه الفهم بعض التوقف لأشار سبحانه في كلامه إليه ولم يهمله. وقوله "إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى" (الاسراء 1) هو بيت المقدس بقرينة قوله "الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ" (الاسراء 1). والقصا البعد وقد سمي المسجد الأقصى لكونه أبعد مسجد بالنسبة إلى مكان النبي صلى الله عليه وآله ومن معه من المخاطبين وهو مكة التي فيها المسجد الحرام. والمعنى لينزه تنزيها من أسرى بعظمته وكبريائه وبالغ قدرته وسلطانه بعبده محمد في جوف ليلة واحدة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس الذي بارك حوله ليريه بعظمته وكبريائه آياته الكبرى..
وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى هو حبيب النجار "وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ" (يس 20). عن النبي صلى الله عليه وآله قال الصديقون ثلاثة حبيب النجار مؤمن آل يس الذي يقول اتبعوا المرسلين الآية وحزقيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب عليه السلام وهو أفضلهم. اقصى المدينة يعني من اطراف انطاكية حيث يعيش المساكين الأكثر تقبلا للرسائل السماوية من ساكني انطاكية المترفين الأكثر بعدا من تقبل رسالة عيسى عليه السلام. هؤلاء المترفين ابوا ما قاله حبيب النجار وقال للمؤمنين ان المترفين سوف لن يشفعوا لكم اذا نزل عليكم البلاء "أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ" (يس 23). ولكن اهل انطاكية الكافرين برسالة عيسى عليه السلام قتلوا حبيب النجار فانزل الله عليهم الصيحة وهي الصاعقة. ونتيجة اصحاب القرية الذين رفضوا اتباع رسل الله الثلاثة وحبيب النجار مؤمن آل يس "إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ" (يس 29). ولحبيب النجار مرقد في انطاكيا بتركيا.
وعن کتاب القصص القرآنى للسيد محمد باقر الحكيم: تشريع الاحكام للمجتمع الانساني، إذ يشير القرآن الكريم إلى أعم أركان هذا التشريع، و هي: الاركان الخمسة التي بني عليها الإسلام: الصلاة، و الزكاة، و الحج، و الصوم، و الإمامة "وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَ أَمْناً وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَ عَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ" (البقرة 125)، و يبدو من بعض الروايات أنّ هناك مجموعة من التشريعات الاخرى وضعها إبراهيم لأوّل مرة، مثل: الخمس، و الجهاد في سبيل اللّه، و غيرها. نجد أن اهل البيت عليهم السلام بسبب علمهم الواسع بتاريخ الرسالات الالهية و فهمهم الدقيق المستوعب للرسالة الاسلامية قاموا بعمل تميزوا به، و هو احياء معالم هذا التاريخ الالهي سواء في الرسالات السابقة أو الرسالة الاسلامية و الدعوة إلى تقديس هذه الاماكن و احياء تاريخها. و يحظى المسجد الحرام و مسجد النبي صلى الله عليه و آله في المدينة المنورة، و كذلك المسجد الاقصى في القدس الشريف، بتقديس و احترام خاصين لدى جميع المسلمين. و قد روى جمهور المسلمين بشأن فضل هذه المساجد الثلاثة أنه لا تشد الرجال إلاّ لها، و أنها تختص بهذا الاحترام و العمل الشرعي دون غيرها من المساجد الاخرى، كما أن هذه المساجد ورد الحديث عنها في القرآن الكريم و لاسيما المسجد الحرام. و لكن اهل البيت عليهم السلام اعطو هذه المفردة تصوراً واسعاً شاملاً من حيث الكم و الكيف. أما من حيث الكيف فنجد أن الاحترام و التقديس من ناحية، و الجذر التاريخي لهذه المساجد من ناحية اخرى و الاعمال المرتبطة بهذه الاماكن من ناحية ثالثة جاءت شاملة و واسعة .وأما من حيث الكم فنجد أن هناك اماكن اخرى حظيت بهذا التقديس و الاحترام اجمالاً على اختلاف بينها في مستويات و درجات التقديس، و من هذه الاماكن حرم الامام الرضا في طوس من خراسان و مشاهد أئمة اهل البيت عليهم السلام عامة.
|