• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : اللعبة الإيروتيكية في لعبة الدوائر الفارغة .
                          • الكاتب : مهدي هندو الوزني .

اللعبة الإيروتيكية في لعبة الدوائر الفارغة

ربما هناك أسئلة كثيرة عن أهمية وجود الإيروتيكية في السرد أو أهمية توظيفها الأدبي، هل هي ضرورية في أن تكون في متن السرد؟ هل هي مجرّد هوس لدى من يتناولها من كتاب السرد؟ هل تستخدم للإثارة أو الجدل؟ هل يتم توظيفها في السرد لغرض السوق الشرّائي من خلال تحفيز الغرائزية المكبوتة؟ أرى أن الإيروتيكية لعبة تشبه المتاهة لها قواعدها وقوانينها وعلى كاتب السرد التعامل معها بحذر وأن يعرف متى يمكن توظيفها بشكل يدعم أفكاره ورسائله التي يبثّها في متن النص، وطبعا» هنالك فرق بين كاتب وآخر في تناوله الإيروتيكية خاصة وهي ليست جديدة على أدبنا السردي فتراثنا العربي زاخر بالمنتج الإيروتيكي حيث كتب فيه (الجاحظ والتوحيدي وإبن حزم والتيجاني) وغيرهم وحديثا» (نجيب محفوظ والطاهر وطار وحنا مينا وأحلام مستغانمي وسلوى النعيمي) وغيرهم

في رواية (لعبة الدوائر الفارغة) آثر الروائي علي لفته سعيد أن تكون الإيروتيكية حاضرة كبنية أساسية في نسيج هذه الرواية، نلحظ تمظهرها بشكلٍ واضحٍ وجلي، بل أنها العنصر المحرّك لعملية السرد وأحداثه وكذلك شخصياته النسائية الثلاث (ساجدة/ وعد/ عالية ) اللاتي ارتبطن بصداقةٍ قديمةٍ ومصالح حديثة أنتجها الواقع الجديد. في يوم من أيام جائحة كورونا اجتمعن في بيت ساجدة، البيت الفخم الذي يشبه قصور السلاطين في العهد العثماني كما يصفه الكاتب، وساجدة هي المرأة القويّة المتسلّطة والتي بيدها خيوط اللعبة والتي تحرّك بها صديقتيها في المتاجرة بأجسادهن من أجل المال والجاه.

(قالت وعد:

– كان الزمن جميل .. كل شيء فيه جميل حتى تلك التي كانت مؤلمة.

  أيدتها عالية وهي ترفع ثوبها لتمده أكثر على فخذيها فيدخل الضوء إلى أماكن أبعد في ظلمة الثوب القصير السمائي:

– كورونا لعبت بالناس لعب .. وصار الجميع يخاف حتى اللمس

    ضحكت ساجدة صاحبة البيت وهي تحاول تلطيف الجو وإخراج الأمر من سوئه:

– المرض الوحيد الذي ينتقل باللمس كأنه صار ضدنا نحن من نعيش على اللمس) ص9 الرواية

منذ الصفحات الأولى نلحظ أن توظيف علي لفته سعيد للإيروتيكية جاء ليعكس صورةً أنتجتها البنية السياسية لمجتمع يعيش واقعًا جديدًا وتحوّلاتٍ جديدة ومتغيّراتٍ اجتماعية وبيئية وصحية.

لقد اشتغل سعيدعلى تضمين سرده الإيروتيكي من خلال جملٍ تحمل دلالاتٍ رمزيةً لتعضّد هذا السرد وتبعده عن السرد الإباحي غير الملتزم والمتعلّق بالشهوانية.

(أرجعت ساجدة رأسها إلى الخلف وانهمر شعرها الأشقر بخصلات ذهبية حتى ضرب الأرض، ونظرت إلى الثريا الكبيرة فوق رأسها:

– أوّل رجل فتح زر قميصي ليرى جزء من نهدي كنت فيها أرتعش لكني تركته يفعل ما يشاء.. ولولا سماعه للأذان لتمادى أكثر، لكني حصلت على توقيع عقد لاستيراد ثريات إلى أحد المشاريع الرئاسية) ص103

فجملة (لولا سماعه للأذان ) تفصح عن مدى عمق النفاق الديني ومدى اتخاذ الدين ستارًا لأعمالٍ مشبوهةٍ. وقد جاءت هذه الجملة من ضمن سياق إيروتيكي لتكون تعبيرًا» ثقافيا» يوضّح التناقضات التي تؤطّر بعض الشخصيات السياسية.

لقد سعيد من إنتاج خطابٍ سرديّ متمرّدٍ في هذه الرواية من خلال السرد الإيروتيكي الذي حرّر الشخصيات وجعلها تتحدّى المنظومات الإرهابية المتمث   لة بداعش وتعريتهم، وكما نلحظ عندما خاطبت وعد زوجها الملتحق بقريبه في هذه المؤسسة الإرهابية.

(- أعرف إنك تعبت لتحصل على عمل ولو أنك في عمل لما رضخت إلى قريبك

    نظر في وجهها يتفحص دون كلام.

– هذا قريبك هو الكلب الذي غسل عقلك

   كاد أن ينتفض وقد حرك ساقيه من الأريكة.. ترى قبضة يده وقد كورها استعدادًا لصفعها .. تضحك بأعلى صوتها.. تضع قدمها على الأريكة وتخرج له فخذها الأيمن، تمسحه بطريقة من يمارس اللذة:

هذا البياض أشرف من سوادكم .. وأنتم تنامون في الصحراء مثل عقارب سامة) ص64

كذلك اشتغل (سعيد على توظيف الإيروتيكية في صراع شخصياته مع ذواتهم التي تعيش قلق وخوف من حدوث متغيّرات مفاجئة مؤيدًا الفيلسوف الفرنسي (جورج باتاي) لنظرته إلى الإيروتيكية بأنها جانب من صراع الإنسان مع نفسه وهذا ما نلحظه في هذا المقطع.

(لم تهدأ وعد من التعمّق في نظرات عيني ساجدة التي تريد تذكيرهما بما عليهن فعله فقالت لها

– لماذا تخيفيننا وأنت قوانا؟

   صلبت ساجدة رقبتها ، وأثنت ركبتيها وكشفت كل شيء في تلك الزاوية الضيقة من تحت البطن.. وفعلت مثلها وعد وتبعتها عالية وكأنهن يتكورن في القلق) ص98

لقد شكل سعيد صورًا إيروتيكيةً جميلةً ودافئةً وشفافة:

(وعد وهي تصف نهديها لصديقتيها

– هذان من جعل عيون الرجال مسامير تريد دق رؤوسها في النحر ولا تقوم .. ويتمنون لو غاصوا بين ثناياهما مثل أطفال يتامى) ص135

وفي مكان آخر:

(ضحكت ساجدة حتى رقص الضوء المتسرّب من النافذة مع أسنانها البيض .. رفعت ساقيها ثم لمّتهما على الكرسي الملكي.. بعدها لمّت ثوبها ودسّته بين فخذيها أسفل بطنها، فبانت ركبتها كصخرتين على شكل حجر مسطح ) ص13

وبذلك يكون سعيد قد خالف مقولة (رولان بارت) ( أن الصورة الإيروتيكية ركيكة جدا» إنها أشبه بوضع إناءٍ صغير في واجهة زجاجة لمتجر كبير)

لقد وظّف (سعيد الإيروتيكية لميزتها في التمرّد على اللغة وبنيتها التقليدية حيث أنها تجعل الشخصيات تمارس سياقًا لغويًا مغايرًا وتكسبه وظيفةً جديدةً مخالفةً لبنية الكلام الاجتماعي. ففي حوار لساجدة مع زوجها:

(- كل المفاتيح عندي

 كانت ترفع ثوبها وتظهر له فخذها وتضرب على المنطقة في أعلاه: هنا مركز القوة)

 هنا السياق اللغوي الإيروتيكي فعل فعلته في مغايرة بنية اللغة التقليدية وأكسبها وظيفة جديدة ودلالة جديدة ومن خلال تحرر الشخصيات

في توظيفه الإيروتيكية أعادة سعيد صياغة المكان وأعطاه بعدًا آخر وهويةً أخرى تبتعد عن الحضور المكاني التقليدي كحاضن جنسي فقط:

( بغنج كبير تجلس شبه عارية على الأريكة الملكية، لكنه وهو يمسح على فخذيها راكعا» أمامها، يحدثها عن مشروع كبير يحتاج جهودا» كبيرة للحصول عليه ص132

هنا تحوّلت الأريكة الملكية بعد أن اقتحمها الجسد الأنثوي في نسقه الإيروتيكي إلى عرش سلطوي أعاد صياغة السلطة الذكورية

أخيرا» كل من يقرأ رواية (لعبة الدوائر الفارغة) للروائي المبدع علي لفته سعيد سوف يجد أنه وظف الإيروتيكية بوصفها منتجًا ثقافيًا يرتبط بالواقع السياسي والاجتماعي مؤكدًا على اختلافها عن المنتج الإباحي وباعتبارها قوة فاعلة ومتمردة ومشاكسة في كسر التاباوات واظهار الحقائق المسكوت عنها.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=186826
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 09 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13