• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : العقيلةُ صوتُ الحقِّ الذي يعلو ولا يُعلى عليهِ. .
                          • الكاتب : احمد السراي .

العقيلةُ صوتُ الحقِّ الذي يعلو ولا يُعلى عليهِ.

 يشهدُ التاريخُ بأنَّ غالبيةَ مَنْ حكموا بلادَ المسلمين هم مسلمون ولمّا يدخل الايمانُ في قلوبهم، بمعنى أنَّ اسلامهم باللسانِ فقط، أما قلوبهم واعمالهم، فالكفرُ والفسقُ والفجورُ هي الصفاتُ البارزةُ في حكمهم.
فهم كالسيفِ المسلّطِ على رقابِ المسلمين، معَ أنَّ منَ المفترضِ أنْ تكونَ واقعةُ كربلاء درساً لهم لكي يحكموا بالعدلِ.
ولكنْ أسمعتَ لو ناديتَ حياً...
فبدلَ أنْ يتقوا الله في الرعيةِ ويستنبطوا منْ كربلاء العِبر نراهم يسيرون بمنهجِ اعداءِ اهلِ البيت (عليهم السلام)، ومنْ تلك العِبر التي يجبُ على الحكامِ أنْ يأخذوا منها الدروس هو ما جرى بينَ الحوراء العقيلة (عليها السلام) عندما واجهتْ طاغوتَ زمانها وقاتلَ اخوتها.
فالمناظرةُ إنْ صحَّ التعبيرُ والتي جرتْ في مجلسِ يزيد هي غير متساويةِ الاطراف، كيف؟
كونَ هذهِ المناظرة طرفها الاول هي سيدةٌ ولدتْ في بيتِ مهبطِ الوحي والرسالةِ منْ أمٍّ هي بنتُ خاتم الانبياء، ووالدها اميرُ المؤمنين علي (عليه السلام)، فتصورْ كمْ منَ العلمِ الذي تغذتْ بهِ هذه السيدة، فما كانتْ عليهِ منَ العلمِ هو ذاك العلمُ والنورُ الذي كانَ لدى اخوتها سيدي شبابِ الجنةِ الامامين الحسن والحسين (عليهما السلام).
ونفهمُ مما تقدمَ أنَّ المناظرةَ إنْ اردناها أنْ تكونَ متساويةَ الاطرافِ فلا بدَّ أنْ تكونَ بينهم هم أهل بيتِ النبوةِ، وليسَ بينَ احدهم كالسيدةِ زينب (عليها السلام) -التي نحنُ بصددِ الحديث عنها- وبينَ طرفٍ وُلِدَ في بيتٍ كلهُ لؤمٌ وخسةٌ، فيزيدُ وهو الطرفُ الآخر هو ابن معاوية بن أبي سفيان وجدته آكلة الاكباد، تلك هي سلالة الكفر والالحاد، فهم مصداقُ الباطل، ومهما فعلَ الباطلُ فلنْ يتجرأ أنْ يدخلَ في مناظرةٍ معَ الحقِّ، وأي حقٍّ كانَ!
لكنَّ هذا الظالمَ يزيد اقحمَ نفسهُ في مناظرةٍ خاسرةٍ متصوراً نفسهُ أنَّهُ المنتصرُ وأنَّهُ قدْ فازَ في حربٍ هي غير متكافئةٍ اصلاً في قتلِ الامامِ الحُسين (عليه السلام) واهل بيته.
فلا يعلمُ مَنْ يناظر...
فبدأ يمشي متبختراً متمايلاً في المجلسِ ومنْ حولهِ حاشيتهِ المتملقةِ لهُ يمجدون بهِ وبانتصارهِ، وإذا بتلك الابياتِ الشعريةِ تخرجُ منْ فيهِ بتكبرٍ واستعلاء ليمجدَ فيها آباءهُ، ولا يعلمُ أنّهُ يؤكدُ بتلكَ الابياتِ كفره وكفرَ ابائهِ، وكمّ الحقدِ الذي يحملهُ لاهلِ البيتِ وأمامَ الملأ، وفي المقابلِ صورة لسيدةِ العفافِ وهي جالسة تتوشح السواد والحزن على ما جرى على اهل بيتها، ينظرُ اليهم اللئيم كأسارى، واذا بالشجاعةِ تنبري وتظهرُ صورتهُ الحقيقية في شخصِ السيدةِ العفيفةِ بعدَ إنْ كانتْ جالسةً كجبلٍ صلدٍ تحيطُ بها النساءُ وما تبّقى منَ الاطفالِ وهي مكبلةٌ.
انتفضتْ كالاسدِ شامخةً مؤتزرةً بعباءتها لتواجهَ الباطلَ الذي لمْ تجدْ في المجلس منْ يواجههُ، وبدأتْ كلامها بازدراء الابياتِ الشعريةِ التي نطقها لأنها اعطتْ الصورةَ الحقيقيةَ ليزيد وابائهِ.
فقالتْ لهُ: ما أجرأك على الله وما اقبحك.
هنا بدأ وجهُ يزيد يتغيرُ بعدَ أنْ كانَ واهماً بأنَّهُ البطلُ في المعركةِ فوجدَ نفسهُ يواجهُ حسيناً آخر، واذا بهِ يحاولُ اسكاتها لأنَّهُ فضحَ نفسهُ بنفسهِ وبدأ يستعطفُ الحضورَ بقولهِ: لو أنَّ امراةً تكلمتْ في مجلسِ ملكِ الرومِ لأمرَ بقتلها 
فأجابتهُ مولاتنا العقيلة: لقدْ جرّتْ علي الدواهي مخاطبتك فإني استصغرُ قدركَ واستعظمُ تقريعكَ لكنِ العيونَ عبرى والصدورَ حرّى.
فيقولُ لها بنبرةِ صوتٍ متلعثمةٍ: افرى الله جلدتك.
كونها بينتْ لهُ مسيرهُ الى جهنّم وبئسَ المصيرِ.
ومن شدةِ تخبطهِ بدأ يتبجحُ ويقولُ: حسبنا بالله حاكماً.
فتلطمهُ على وجههِ بقولها: وحسبك بالله حاكما ، وبمحمد ( صلى الله عليه وآله ) خصيما ، وبجبريل ظهيرا ، وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلا وأيكم شر مكانا واضعف جندا...
وواصلتْ كلامها بتلكَ الدررِ التي كادتْ أنْ تقتلَ يزيد بغيظهِ دونَ أنْ يعرفَ ماذا يفعلُ وماذا يقولُ لأنَّهُ اقحمَ نفسهُ بمناظرةٍ خاسرةٍ لا محالة.
فانبرتْ لهُ العقيلةُ قائلةً: يا سليل الطلقاء.
هذه الكلمة التي لنْ يستطيعَ لا هو ولا اجداده أنْ يمحوا عارها عنهم فهي وصمةُ عارٍ عليهم الى يومِ الدينِ ومنْ شدةِ غضبهِ امرَ بقتلها فقالتْ لهُ: 
كدْ كيدكَ واسعَ سعيك فوالله لا تمحو ذكرنا ولنْ تميتَ وحينا ولا يسقطُ عنك عارُ ما فعلتَ، فيومَ ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين.
هُنا يظهرُ المعصوم ويتدخلُ بقولهِ: اهدأي يا عمه فوالله قدْ افهمت ما عزَّ على عالمٍ أنْ يفهمهُ.
بعدَ أنْ أظهرتْ مولاتنا زينب (عليها السلام) وجهَ يزيد وعليهِ آثار الخذلان والخزي والقهر لخسارتهِ لأنَّهُ اخزى نفسهُ حينَ وضعها في حربٍ معَ الايمانِ.
فحربُ آل البيت في المجادلةِ خاسرة منذُ البدايةِ، فاخزاهُ الله مرةً اخرى. وسيعلمُ الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=186376
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 09 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12