جاء في کتاب مرشد المغترب للسيد محمد سعيد الحكيم عن عاقبة الصبر: إذا نظرتم إلى عاقبة المصائب والمحن التي كتبها الله تعالى على أهل البيت عليهم السلام حين استسلموا لها وصبروا عليه، ورأيتم كيف صارت العاقبة لهم، فنصرهم الله تعالى على عدوهم، بأن أبقى ذكرهم، وأحيى أمرهم، ورفع شأنهم، وأعلا نورهم، حتى طبق الأرض وملأ الخافقين. وباء الظالمون بالفشل الذريع والعاقبة الوخيمة والخيبة والخسران واللعنة الدائمة في الأرض والسماء. وتذكرتم قول عقيلة بني هاشم زينب الكبرى صلوات الله تعالى عليه للإمام زين العابدين عليه أفضل الصلاة والسلام وهي في قمة المأساة ـ حين مروا بهم على شهداء كربلاء وهم موزعون على وجه الأرض: (ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة، لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات، أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة، فيوارونه، وهذه الجسوم المضرجة. وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء عليه السلام لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام. وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلا ظهوراً وأمره إلا علواً). وقولها ليزيد وهي أسيرة في مجلسه: (فكِد كَيدك واسع سعيك وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرن، ولا تميت وحين، ولا تدرك أمدن، ولا ترحض عنك عاره. وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم يناد المناد: ألا لعنة الله على الظالمين). وقد صدق الله عز وجل حين يقول: "يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" (التوبة 32)، وحين يقول: "فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ" (هود 49).
وعن الحبّ في الله والبغض في الله يقول المرجع الحكيم قدس سره: في صحيح أبي عبيدة الحذاء عن الإمام الصادق عليه السلام: (قال: من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله فهو ممن كمل إيمانه). وفي صحيح سعيد الأعرج عنه عليه السلام: (قال: من أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله، وتبغض في الله، وتعطي في الله، وتمنع في الله). وفي حديث عمرو بن مدرك الطائي عنه عليه السلام: (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: أيّ عرى الإيمان أوثق؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. وقال بعضهم: الصلاة. وقال بعضهم: الزكاة. وقال بعضهم: الصوم. وقال بعضهم: الحج والعمرة. وقال بعضهم: الجهاد. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لكل ما قلتم فضل، وليس به. ولكن أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله، والبغض في الله، وتوالي أولياء الله، والتبري من أعداء الله). وفي حديث إسحاق بن عمار عنه عليه السلام: (قال: كل من لم يحب على الدين ولم يبغض على الدين فلا دين له). إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة. وعلى جميع المؤمنين أن يعرفوا أن هذا من أهم الركائز الدينية التي يلزمهم تعاهدها والمحافظة عليه، والحذر من إغفالها وإهماله، أو التسامح فيه، حيث قد يجر ذلك للتهاون مع الظالمين، والتساهل معهم، بل الميل لهم، ومحاولة الاعتذار عنهم. فيخرج المؤمن بذلك لاسمح الله تعالى عن إيمانه من دون أن يريد، ويسرق منه دينه في غفلة. وقد قال الله سبحانه وتعالى: "لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ" (المجادلة 22)، ونعوذ بالله تعالى من الضلال بعد الهدى، والعمى بعد البينة. وتكونون بذلك من دعاة دين الله تعالى وأنصاره، وتفوزون بفخر ذلك وعظيم أجره: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت 69). ولا تستبعدوا شيئ، ولا تستقلوا عمل، فإن الله تعالى يفعل ما يشاء، ويقضي ما يريد.
يقول السيد محمد سعيد الحكيم عن مواضع معصية الله جل جلاله: على أن مواضع معصية الله تعالى وانتهاك حرماته، حَرية بغضبه ولعنته، وقد تنزل اللعنة والنقمة عليها فتعم من فيها ولو من غير أهله. قال الله تعالى: "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" (الانعام 68). وفي حديث عبدالله بن صالـح عن الإمام الصادق عليه السلام: (قال: لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلساً يعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره). وفي صحيح عبدالله بن ميمون القداح عنه عليه السلام: (قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يقوم مكان ريبة). ولا يخدعنكم الشيطان وأولياؤه بأن الله قد نعَّم أهل المجتمعات التي أنتم فيها بخيرات الدنيا وزينته. وتيقنوا أنها نِعَم تحولت نِقَماً بسلبياتها ومضاعفاته، حتى انتهى الأمر بهم إلى مشاكل حادة نتيجة الترف وإشباع الغرائز الحيوانية. على أنها قد ألهتهم عن الله تعالى وأنستهم ذكره، فاستحوذ عليهم الشيطان، وغرقوا في معصية الله تعالى وتمادوا في سكرتهم، فأعرض سبحانه عنهم ووكلهم إلى أنفسهم وأمهلهم، وإن من أشد عقوبات الله تعالى لعباده إمهالهم والإملاء لهم. قال الله تعالى: "وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ" (ال عمران 178). وقال سبحانه: "فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخـَيْـرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ" (المؤمنون 54-56). وقال عزوجل: "وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ" (الاعراف 182-183). وفي حديث سفيان بن السمط عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (إن الله إذا أراد بعبد خيراً فأذنب ذنباً أتبعه بنقمة ويذكّره الاستغفار، وإذا أراد بعبد شراً فأذنب ذنباً أتبعه بنعمة، لينسيه الاستغفار ويتمادى به. وهو قول الله عز وجل: "سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ" (الاعراف 182) بالنعم عند المعاصي) إلى غير ذلك من النصوص. وعلى ذلك يتأكد عليكم أن تبعدوا أنفسكم عن تلك المواضع ونحوه، وعن مخالطة تلك المجتمعات الفاسدة تحرجاً وترفعاً وتنزهاً وتعفف. إلا أن تضطروا لذلك أو تبرره حاجة و مصلحة راجحة، فتقتصروا منه على ما تؤدى به الضرورة، فإن الضرورات تقدر بقدره. لكن مع كمال الإنكار والاستهجان لها ورفضها في نفوسكم، ليعلم الله منكم صدق النية في طاعته، والتورع عن محارمه، والغضب له، والإنكار لمعصيته. واستبدلوا بها مواضع ذكر الله ومجامع الخير والهدى والصلاح. وعليكم أن تحاولوا إيجاد مجامع، ومواضع ترفيه وتجمّع لكم، تناسب وضعكم الديني والأخلاقي والاجتماعي ولو على نطاق ضيق تزيدكم تعلقاً بواقعكم الذي ألفتموه في بلادكم، وتمسكاً بدينكم العظيم، ومثلكم الشريفة، وأخلاقكم الفاضلة. والله سبحانه وتعالى معكم إن لزمتموه وراقبتموه، وهو المعين لكم في محنتكم والرحيم بكم في دنياكم وآخرتكم.
|