• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : "لا إِكْراهً فِي الدِّينِ" الكره ومشتقاتها في القرآن الكريم (ح 6) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

"لا إِكْراهً فِي الدِّينِ" الكره ومشتقاتها في القرآن الكريم (ح 6)

هذه الحلقات امتداد لحلقات من المقال منشورة في مواقع اخرى.
قال الله تعالى عن كره ومشتقاتها "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" ﴿يونس 99﴾ تكره فعل، ولو شاء ربك أيها الرسول الإيمان لأهل الأرض كلهم لآمنوا جميعًا بما جئتهم به، ولكن له حكمة في ذلك؛ فإنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء وَفْق حكمته، وليس في استطاعتك أن تُكْره الناس على الإيمان، و "قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ" ﴿هود 28﴾، و "وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ" ﴿الرعد 15﴾، و "وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَىٰ ۖ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ" ﴿النحل 62﴾، و "مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿النحل 106﴾، و "كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا" ﴿الإسراء 38﴾، و "إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ" ﴿طه 73﴾.
عن تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ" (الرعد 15) والكره ما يأتي به الإنسان من الفعل بمشقة فإن حمل عليه من خارج فهو الكره بفتح الكاف وما حمل عليه من داخل نفسه فهو الكره بضمها والطوع يقابل الكره مطلقا. قوله تعالى "وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً" (ال عمران 83)، هذا الإسلام الذي يعم من في السموات والأرض ومنهم أهل الكتاب الذين يذكر أنهم غير مسلمين، ولفظ أسلم صيغة ماض ظاهره المضي والتحقق لا محالة وهو التسليم التكويني لامر الله دون الإسلام بمعنى الخضوع العبودي ، ويؤيده أو يدل عليه قوله طوعاً وكرهاً. وعلى هذا فقوله: وله أسلم، من قبيل الاكتفاء بذكر الدليل والسبب عن ذكر المدلول والمسبب، وتقدير الكلام: أفغير الإسلام يبغون؟ وهو دين الله لأن من في السموات والأرض مسلمون له منقادون لأمره، فإن رضوا به كان انقيادهم طوعاً من أنفسهم، وإن كرهوا ما شائه وأرادوا غيره كان الأمر أمره وجرى عليهم كرهاً من غير طوع. ومن هنا يظهر أن الواو في قوله: طوعاً وكرهاً، للتقسيم، وأن المراد بالطوع والكره رضاهم بما أراد الله فيهم مما يحبونه، وكراهتهم لما أراده فيهم مما لا يحبونه كالموت والفقر والمرض ونحوها.
عن التفسير الكاشف للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "لا إِكْراهً فِي الدِّينِ" (البقرة 256). لو نظرنا إلى هذه الكلمة مستقلة عن السياق لفهمنا منها ان اللَّه سبحانه لم يشرع حكما فيه شائبة الإكراه ، وان ما يكره عليه الإنسان من أقوال أو أفعال لا يترتب عليه أي شيء في نظر الشرع لا في الدنيا ، ولا في الآخرة. ولكن قوله تعالى: "قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" (البقرة 256) الذي هو تعليل لعدم الإكراه يعين ان في هنا بمعنى على ، أي الإكراه على الدين ، مثل {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ" (طه 71). أي على جذوع النخل. وعليه يكون المعنى ان الإسلام لا يلزم أحدا باعتناقه قسرا واجبارا ، وانما يلزم الجاحد بالحجة والبرهان فقط: "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" (الكهف 29)، "أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس 99). وتسأل: ان الدين لا يمكن أن يتعلق به إكراه، لأنه من شؤون القلب الخارجة عن القدرة، تماما كالتصورات الذهنية، وانما يتعلق الإكراه بالأقوال والأفعال التي يمكن صدورها عن إرادة القائل والفاعل. إذن، ما هو الوجه المسوغ للنهي عن الإكراه على الدين؟. الجواب: ان قوله تعالى: "لا إِكْراهً فِي الدِّينِ" (البقرة 256). جاء بصيغة الاخبار فان كان هو المراد فلا يتجه السؤال من الأساس، حيث يكون المعنى ان الدين هو الاعتقاد، وهو أمر يرجع إلى الاقتناع الذي لا إكراه عليه. وان كان المراد به الإنشاء والنهي عن الإكراه في الدين يكون المعنى أيها المسلمون لا تكرهوا أحدا على قول: لا إله إلا اللَّه، محمد رسول اللَّه بعد أن قامت الدلائل والبينات على التوحيد والنبوة. ولكن يتولد من هذا الجواب سؤال جديد، وهوان هذا لا يجتمع مع قول الرسول الأعظم صلى الله عليه واله: (أمرت ان أقاتل الناس، حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه، فان قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم) . وجوابه: ان الإسلام أجاز القتال لأسباب : منها الدفاع عن النفس، قال تعالى "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (البقرة 190). ومنها البغي قال تعالى "فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ" (الحجرات 9). ومنها اظهار الإسلام ، ولو باللسان من المعاندين له وللمسلمين، لمصلحة تعود على الجميع، لا على المسلمين وحدهم ، وهذه المصلحة يقدرها المعصوم، أو نائبه، ولا يجوز لأي مسلم كائنا من كان أن يقاتل من أجل النطق بكلمة الإسلام، أو انتشارها إلا بأمر المعصوم، أومن ينوب عنه، وهو الحاكم المجتهد العادل، وعلى هذه الصورة وحدها يحمل حديث: (أمرت أن أقاتل الناس). أي اني أقاتلهم حين أرى أنا أومن يقوم مقامي ان مصلحة الانسانية تحتم القتال من أجل كلمة لا إله إلا اللَّه ، وفيما عدا ذلك لا يجوز لأحد كائنا من كان ان يكره أحدا على قول لا إله إلا اللَّه. وتجمل الإشارة إلى ان القتال دفاعا عن النفس، أوعن الدين والحق لا يتوقف على إذن الحاكم ولا غيره . وتقدم الكلام عن ذلك في تفسير الآية 193، فقرة الإسلام حرب على الظلم والفساد.
جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم‌ السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام عن آية لا إكراه في الدين "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (البقرة 256): رأي المفسرين: فسر المفسرون آية لايكرة في الدين بعدة طرق: المجموعة الأولى: تعتقد هذه المجموعة من المفسرين إنَّ هذه الآية قد نسخت، حيث قال الميبدي، وأبو الفتوح الرازي، إنَّها قد نسخت بآية القاتل، والآية 74 و75 من سورة التوبة. المجموعة الثانية: ذكرت هذه المجموعة في تفسير هذه الآية إنَّه لا يُكره أحد على دينيه، إلا بعد أن تبين لهُ الرشد من الغي، فحينها وبسبب قبوله الحق فيتم الإكراه على الدين، أو إذا ارتقى الفرد ووصل إلى درجة الرضا والتسليم فلا يبقى للإكراه معنى. المجموعة الثالثة: تعتقد هذه المجموعة إنَّه بناءً على هذه الآية لا يُمكن الجمع بين الإيمان والإكراه، فإنَّ الإكراه إنما يؤثر في الأعمال الظاهرية. وهذه الآية هي أيضًا إجابة للذين اعتبروا القوة والسيف سبباً لقبول الإسلام، ورد في تفسير مجمع البيان نقلاً عن الزجاج (أبو إسحاق، إبراهيم بن السري صاحب كتاب معاني القرآن وإعرابه) إنَّ المراد لا تقولوا لمن دخل في الدين بعد الحرب أنه دخل مكرها، لأنَّه إذا رضي بعد الحرب وصح إسلامه فليس بمكره. وذكر البيضاوي أيضاً في تفسير هذه الآية يعني لا إلزام للغير فعلاً في أتباع الدين. المجموعة الرابعة: يعتقد أصحاب هذه المجموعة من المفسرين أنَّ المقصود من لا إكراه في التشيع، وأنَّه لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر ليس من الله عز وجل. ولا عتب على من دان الله بولاية إمام عادل من الله. وفي تفاسير أخرى كتفسير نور الثقلين اعتبر هذه العبارة جزء من آية الكرسي، وأشار إلى ثواب وآثار قراءة آية الكرسي، وبين كيفيت نزولها بروايات مختلفة. التطبيق الفقهي: قد أشار بعض المفسرين في مؤلفاتهم إلى التطبيق الفقهي لهذه الآية.يرى العلامة الطباطبائي إنَّ عدم ذكر قيد أو شرط في الآية تدل على إنَّ كل الناس بمن فيهم الكافرون لا ينبغي أن يقبلوا الدين الإسلامي عن طريق الإكراه، والآية تشير إلى النهي الشرعي (الحكم الإنشائي التشريعي) والجملة التالية "قد تبين" (البقرة 256) بين تعالى علة الحكم ووضوح الحقيقة. كما يعتقد الكثير من المفسرين إنَّ هذه الآية تُبين عدم الإجبار في قبول الدين. كما يرى فخر الرازي في التفسير الكبير إنَّ هذه الآية لا تقبل الدين على أساس الإجبار، وتعتبر أساس الدين مبني على الاختيار، لأنه إذا كان قبول الدين يتم عن طريق الإجبار فلن يكون هناك امتحان واختبار. واعتبر العلامة الحلي إنَّ مضمون الآية يجري في الأحكام أيضاً وفي مورد لا يقدر المكلف فيها أن يأتي بالتكليف (التكليف بما لا يُطاق).




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=185487
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 08 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12