جاء في كتاب لماذا إحياء عاشوراء للمؤلف محمد تقي مصباح اليزدي: كما أن الله تعالى خلق فينا المحبة لنبرزها للآخرين الذين يخدموننا أو للأفراد الذين يملكون كمالاً ما، سواء كان كمالاً جسدياً أو روحياً أو عقلياً، فعندما يتعرف المرء على إنسان يمتلك كمالاً ما فإنه ينجذب إليه كما يوجد في الإنسان شيء يقابل المحبة موجود في فطرته وهو البغض والعداوة، يبرزه الإنسان لمن أراد به السوء والأذى وهذا أمر فطري. وليس هناك عدو أعدى من الذي يريد سلب الدين عن الإنسان, فهذا العدو هو أشد الأعداء ضراوة؛ لأنه يريد سلب السعادة الأبدية من الإنسان, قال الله تعالى: "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا" (فاطر 6) فالشيطان عدو لنا؛ لأنه يريد سلب ديننا عنّا, ولا يمكن في حال من الأحوال أن نتصالح مع الشيطان, وإذا حدث أن تصالح إنسان مع الشيطان فسينقلب ذلك الإنسان بنفسه ويصير شيطانا, فإن كان لابدّ من محبة أولياء الله وعباده المخلصين، فلابدّ حينئذٍ من معاداة أعداء الله؛ لأن الإنسان إذا لم يعاد أعداء الله ويبغضهم سيصبح بالتدريج منهم، ويكون سلوكه كسلوكهم، وسيقبل أعمالهم وأفعالهم وأقوالهم نتيجة لمعاشرته لهم. أنظروا إلى القرآن ماذا يقول: "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ" (الانعام 68) يعني أترك الذين يهينون الدين ويستهزئون به. ثم يقول في موضع آخر إن من لا يقبل النصيحة السابقة فإن الله تعالى سيلحقه بأولئك المستهزئين المهينين للدين. قال الله تعالى: "إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا" (النساء 140) فعقاب كل من أحب الذين يستهزئون بالدين أن يحشر يوم القيامة مع المنافقين. وكلا الفريقين المستهزئ والمنافق في النار, والسبب واضح, لأن من يحب ويودّ المستهزئ بالدين المستهين به فإنه بالتدريج سيتأثر بأفكاره وكلامه, وحينئذ سيُحدث كلامه شكاً في نفس ذلك المحب, وإذا حدث الشكّ في نفسه مع كونه يظهر الإسلام فسيكون ذلك نفاقاً؛ لأن النفاق هو إظهار شيء من واقع حياتنا. لاحظوا أعزائي جسم الإنسان فهو مركب على هيئة بحيث يستطيع أن يجذب المواد المفيدة إليه لغرض البناء والنمو، وفي نفس الوقت هو مجهّز بنظام دفاعي يطرد الميكروبات والجراثيم ويقاومها ويطردها إلى الخارج, وإذا ضعف هذا النظام الدفاعي وتغلبت الجراثيم فهذا سيؤدي إلى الموت حتماً، فلا يمكن أن نقول: إن هذه الجراثيم والميكروبات ضيف عزيز على الجسم يجب استقباله واحترامه والترحيب به؛ لأن في ذلك هلاكاً للجسم.
ويستطرد مؤلف الكتاب مصباح اليزدي عن السنن الالهية قائلا: وهذه سنة إلهيّة فقد جعل الله تعالى لكل كائن حي نظامين، نظاماً للجذب وآخر للدفع نظاماً لجذب الأمور المفيدة، وآخر لدفع وطرد الأمور المضرة والخطرة، وكذا الآخر في نفس الإنسان وروحه، فهكذا استعداد لكلا الأمرين موجود فيها بالفطرة حتى تستقيم النفس، فلابدّ من عامل جذب نفسي نتقبل به الأفراد المفيدين لنا ونتقرب إليهم ونتعلم منهم. وفي المقابل لابدّ من عامل دفع وطرد نعادي به الأفراد المضرين لمصير المجتمع. قال الله تعالى في وصف نبيه إبراهيم عليه السلام: "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرءؤا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ" (الممتحنة 4) فالقرآن يحثنا على التأسي بإبراهيم عليه السلام وأصحابه إذ إن النبي إبراهيم عليه السلام له منزلة خاصة في الثقافة الإسلامية بل إنّه هو الذي أطلق اسم الإسلام على ديننا "هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ" (الحج 78) فلننظر ماذا فعل إبراهيم عليه السلام مع قومه الذين عادوه وأصحابه وأخرجوهم من ديارهم حيث قالوا لهم: "إِنَّا بُرءؤا مِنكُمْ" (الممتحنة 4) أي إنهم أعلنوا البراءة منهم ومن أفعالهم. ولم يكتفِ إبراهيم عليه السلام وأصحابه بذلك بل قالوا لهم: "كَفَرْنَا بِكُمْ" (الممتحنة 4) فالذي نفعله نحن بلعننا لأعداء الحسين وأعداء الإسلام إنما هو تأسٍ بإبراهيم عليه السلام وأصحابه والقرآن يأمرنا بذلك ويقول: أعلنوا براءتكم من أعداء الدين فليس من الصحيح أن يكون الإنسان مبتسماً على الدوام مع كل أحد وفي كل الظروف، بل عليه وفي بعض المواقف أن يكون عبوساً مع كل من يريد هدم الدين أو يريد أن يعادي الحسين ويسعى إلى تقويض أهداف ثورته.
وجاء في ملخص الكتاب: فتلخص أعزائي مما تقدم: إن احياء مراسم عاشوراء هو تجديد لحياة الحسين عليه السلام للاستفادة منها بأفضل ما يمكننا استفادته، ولا يمكن أن نكتفي بالبحوث والندوات العلميّة لأن الإنسانية بحاجة إلى عواطف تسير جنباً إلى جنب مع العلم والمعرفة كجناحي الطائر فلا يكفي أحدهما كما لا يصحّ أن نستقبل عاشوراء بعواطف الفرح والسرور، لأنها لا تتناسب مع الطبيعة المأساوية المروعة ليوم عاشوراء وبالتالي فكما يجب السلام على أبي عبد الله الحسين عليه السلام وحبه وتوليه يجب أيضا البراءة من أعدائه ولعنهم ولعن جميع أعداء الدين فلا يمكننا أن نستفيد من بركات الحسين ما لم نزح أعداء الحسين عن أنفسنا فإن فعلنا ذلك صرنا حسينيين.
|