• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : اشارات قرآنية من كتاب السبايا للسيد الحسني (ح 6) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

اشارات قرآنية من كتاب السبايا للسيد الحسني (ح 6)


كل حلقة من هذه المقالات منشورة في موقع مختلف.

جاء في کتاب سبايا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم للسيد نبيل الحسني عن هواية القلوب للذرية، وشاهده القرآني: وعليه: تظهر الآية المباركة التي تتحدث عن إخراج إبراهيم الخليل لذريته وإيداعهم في أرض قاحلة جانباً من الحكمة في هذا الخروج الذي ورثه ولده الحسين بن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي تلازم معه في الدلالة والأثر مع الفارق في المصائب والخطوب والرزايا التي ألمت بابن إبراهيم الحسين عليه السلام وبين ولده إسماعيل. فعلى الرغم من توحد المصداق في فداء بيت الله الحرام بين نبي الله إسماعيل وحجة الله الحسين عليه السلام إلا أن المذبوح هو الحسين بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمفدى هو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام لا عن تفاوت في الشأنية بين رياضة الحبيب وولد الخليل وإنما لعظم البلاء الذي لا يتحمله قلب إبراهيم ورقّ له قلب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الممدوح بالذكر الحكيم: "مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ" (النجم 11). وأما الأثر في هذا الخروج الإبراهيمي والحسيني فهو إقامة الصلاة "رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاة" (ابراهيم 37). وحينما كانت الغاية إقامة الصلاة بدلالتها البنائية لا الأدائية كانت الهواية القلبية مقرونة بالذرية وهم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. ولعل المسلم اللبيب لا يحتاج دليلاً أو بياناً لمعرفة الشخص الذي تهوي إليه الأفئدة أهو إسماعيل بن هاجر أم الحسين بن فاطمة عليهم السلام. أم تراه لا يجد التشخيص بين رضيع إبراهيم المسقي بماء زمزم أم رضيع الحسين المسقي من دم الوريد فهذا الخروج لعيال الحسين كذا الخروج لعيال إبراهيم لكنما الأفئدة تهوي لآل الطفوف.
وعن إن الحسين وعياله خير أمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وشاهده القرآني يقول السيد الحسني: لعل المرء يتوقف متأملاً في هذا الأثر الذي حققه إخراج الحسين عليه السلام لعياله إلى أرض المعركة، ألا وهو كونهم من أهم الأدوات التي عملت على إحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على طول الدهر. إذ يقتصر دور المرأة غالباً في الاهتمام بشؤون الأسرة وإن سنح لها المجال ببعض الوقت وهي في خضم تلك المسؤوليات أن تمارس هذا الدور في الأسرة من خلال تنشئة أبنائها على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي لا يتعدى في هذه الحال عن مجموعة من الأوامر والنواهي والمرغبات والمحذرات عن القيام ببعض الأعمال أو ترك بعض الأفعال للأبناء دون أن تلفظ المرأة هذه المفردات وأعني (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في مسامع أبنائها. والعلة في ذاك محصورة بين رؤية الأم أو الأب لتصرفات الأبناء ضمن نطاق الحسن والقبيح ومدلولاتهما التربوية والأخلاقية. لكننا هنا: في ارض الطف نلمس نوعا جديداً من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يظهر في المجتمع الإسلامي الذي أصبح فيه المسلم يرى المنكر معروفا والمعروف منكراً. ولذا: نجد أن سيد الشهداء عليه السلام حينما خرج بعياله قد أشركهم في الهدف من هذا الخروج وأدخلهم في الغاية من تحركه فقال عليه السلام: (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالما إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر). فكانوا مصداق قوله تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر" (ال عمران 110). ولعل الباحث أو القارئ حينما يستعرض تاريخ الأمم ومسيرة الأديان لا يجد أمة كالحسين وعياله قد خرجت وأُخرجت للناس، قد قدمت أرواحها ودماءها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالكيفية التي جرت في عاشوراء وبالصورة التي شهدتها كربلاء. وإذا كان إبراهيم الخليل عليه السلام "أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّـهِ" (النحل 120)، فكيف لا يكون الحسين وعياله عليهم السلام أمة.
وعن الأثر التصديقي، وشاهده القرآني يقول السيد نبيل الحسني في كتابه: إنّ من السنن التي يعرضها القرآن الكريم في نهج الأنبياء عليهم السلام منهج الدفاع عن صدق دعوتهم، وبيان ذلك إلى الناس، فكان من خلال تقديم النساء والأطفال في إلقاء الحجة على من لم يؤمن بهم، فضلاً عن المكذبين لهم؛ وهذا ما قام به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حادثة المباهلة حينما كذبه النصارى في دعواه بالنبوة حينما خاطبه الباري عزّ وجل: "الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِين" (ال عمران 60). وقد نص كثير من كتب التفسير والتاريخ، كتفسير الكشاف للزمخشري، وتفسير الثعلبي، وتفسير العلامة الطباطبائي، ومجمع البيان، وتفسير البغوي، والنسفي، والفخر الرازي وغيرها: على أن الأثر الذي تركه إخراج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنسائه ممثلاً ذلك في بضعته النبوية فاطمة عليها السلام وذريته ممثلا بولديه الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام على النصارى في تصديقهم بدعواه للنبوة وأنه خاتم الأنبياء ما لم يكن تحقيقه في المعجزة. إذ قد يفسر هؤلاء المعترضون والمشككون فيما لو جاءهم صلى الله عليه وآله وسلم بمعجزة من المعاجز بأنها ضرب من السحر كما حصل ذلك لموسى الكليم عليه السلام حينما سجد له السحرة فقال فرعون عند ذلك: "إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ" (طه 71). ولذلك لم يأتهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بمعجزة ولو شاء لأمده الله تعالى بما لا طاقة لهم به، إلا أنه صلى الله عليه وآله وسلم وجد أن إخراجه ابنته فاطمة وزوجها علي بن أبي طالب وولديه الحسن والحسين عليهم السلام، هو أمض أثراً وأشد تصديقاً لهم بدعوته ورسالته. فضلاً عن إشراكهم في الدفاع عن رسالته ونبوته، وذلك بقوله لهم: (إن أنا دعوت فأمنوا). فكان ذلك بمسمع ومرأى من النصارى والصحابة الذين وقفوا ينظرون هذا الخروج المهيب، فما كان من النصارى ورهبانهم وقادتهم إلا أن قالوا: (إن خرج عليكم محمد بأصحابه فباهلوهم وإن خرج عليكم بأهله فلا تباهلوهم)، وذلك إن الإنسان لا يعرض أبناءه ونساءه ونفسه للهلاك ما لم يكن يوقن بأنه وأبناءه ونساءه لله رب العالمين. وعليه: فإن إخراج الإمام الحسين عليه السلام لعياله من أخواته وبناته وأبنائه حتى الرضيع منهم وإشراكهم في أمره كان اتباعاً لسنة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم والتزاماً بالمنهج القرآني في الدعوة إلى التصديق بما خصه الله تعالى به، وهو الإمامة، وإنه حجة الله على خلقه، فكان الأثر الذي أوجده خروج النساء والأطفال في التصديق به كما كان في خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بابنته فاطمة وولديها وزوجها للمباهلة. فانعكس ذلك على أصحابه وبني عمومته وأعدائه في يوم عاشوراء وانعكس ذلك على الإنسانية جمعاء بعد استشهاده لتتهاوى أمامه العروش وترقى به النفوس وتحنو إليه القلوب بأنه صادق ومصدّق لما أتى به جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقائد للصادقين والمصدّقين برسول رب العالمين.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=185151
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 08 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12