من الشائع في جنوب العراق ان تتم مخاطبة شيخ العشيرة بعبارات تنم عن الود والاحترام والدعاء بالسلامة وطول العمر، مثلما هو شائع في الكثير من مناطق العراق الاخرى مثلما هو شائع في الكثير من المناطق والبلدان التي تتسم بالنظم العشائرية والقبلية. تتفاوت تركيبة هذه المخاطبات من منطقة الى اخرى مثل (ياطويل العمر) و (يامحفوظ) وغيرهما، وتنطوي هذه المخاطبات، فيما تنطوي عليه، اعتبار رئيس العشيرة أب لعمومها ويحظى باحترام الجميع وان اختلفوا فيما بينهم كي يتمكن من اصلاح شأنهم وحل خلافاتهم.
روى لي صديق ذات مرة عندما كنا طلبة في الاقسام الداخلية في الجامعة، ومن باب الدعابة، انهم في عشيرتهم يخاطبون شيخ العشيرة بلقب "محفوظ" عندما يكونون موافقين على ما يقول، والويل له ان خالفهم في رأي، فستكون المخاطبة "انجب محفوظ" وهذه العبارة في لهجتنا العراقية عبارة مهينة لاسكات المتكلم والتقليل من شأنه. لم أصدقه أنذاك واضطر الى أن يقسم لي باغلظ الأيمان حتى تظاهرت بتصديقه.
اعتذر اليوم الى صديقي العزيز وأقول له إني أصدقك تماما بعد أن ثبت لي صدقك ببرهان لا يرقى اليه الشك. صدقتك بعدما رايت ما يحصل في عشيرة العراق وفي صفوتها المفترضة، والطريقة التي تعاملت بها تلك الصفوة من السياسيين وأعضاء مجلس النواب مع رئيس الجمهورية ، بمن فيهم قادة الكتل السياسية وأعضاء من تحالفه السياسي لا زالوا بعمر أحفاده. فبغض النظر عن رأيهم الشخصي في الرجل ودرجة الخلاف والاختلاف معه ومع و ما يقوم به، إلا أنه شيخ العشيرة المسن الذي اختاروه هم ليرعى دستورهم ويقول للمصيب أصبت، وللمخطيء تجاوزت، وقد قام بهذا الدور لحد الان. أاما أن تنهال عليه التهم والهجمات والتكذيب والسباب والشتائم كما ينهمر المطر، بحق أو بدونه، ويصبح علكا تلوكه أفواههم الشرهة وتتقاذفه ألسنتهم السليطة بهذه الطريقة، التي أقل ما يقال عنها أنها فجة، فهذا لا يختلف عما كان يحدث في عشيرة صديقي "الديموقراطية". تبا للديموقراطية التي لا تبنى على الأخلاق واحترام الاخر، ولا فرق بينها وبين ديموقراطية قطع الألسن التي تعودنا عليها طويلا إذا فرغت من محتواها الأخلاقي.
ألسنا بحاجة الى أن نتعلم كيف نخاطب الأخر الذي نختلف معه ونحافظ على انسانيتنا وانسانيته في الوقت ذاته، ونعكس صورة أفضل عن انفسنا ونظهر رأينا باسلوب حضاري، قبل أن نشوه صورة الاخرين، كي تكون حجتنا أبلغ وأحجى.؟
|