• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : اسس اصطفاء الافراد والجماعات في القرآن الكريم ح (20) .
                          • الكاتب : السيد عبد الستار الجابري .

اسس اصطفاء الافراد والجماعات في القرآن الكريم ح (20)

 ان المراقب لطبيعة الدعوة النبوية وطبيعة التعاطي الإجتماعي معها يكتشف ان هناك تطوراً واضحاً في الواقع الفكري للمجتمع الإنساني، فمن حيث التسلسل الزمني للمجتمعات التي بعثت اليها الرسل كان بنو اسرائيل المجتمع الأقرب الى عصر النبي (صلى الله عليه واله)، وقد استغرق التحول الاجتماعي  لبني اسرائيل من البداوة الى المدنية الى عدة قرون، ثم امضوا في التية اربعين عاماً لتزول عنهم التأثيرات السلبية للحضارة المصرية ووآثار الإذلال الفرعوني، ليكونوا بعدها مؤهلين لقيادة الانبياء لهم لتأسيس دولة التوحيد. 
وفي المجتمع العربي كان اصرار اهل مكة على الشرك في بداية الدعوة النبوية كإصرار المصريين على عبادة ملوكهم وعبادة آمون، بينما اعتنق اهل المدينة التوحيد وكفروا بعبادة الاصنام وقدموا النبي (صلى الله عليه واله) ليكون حاكماً عليهم مع انه غريب عنهم وليس من ابناء الأوس ولا الخزرج، بل لا يمت اليهم بصلة قرابة فالنبي (صلى الله عليه واله) من ذرية إسماعيل (عليه السلام) والأوس والخزرج من اصول يمنية، ويعود مسارعة اهل المدينة لقبول الدعوة النبوية الى عدة اسباب: 
1.  ان العقيدة التي دعى اليها النبي (صلى الله عليه واله) والشريعة التي جاء بها، كانت تناغم الفطرة السليمة.
2.  الواقع الاجتماعي في المدينة الذي ادى الى الملل من الظلم والطغيان والحروب وسفك الدماء والاعتداء على الحرمات والجنوح العام لمجتمع يثرب لتغيير الواقع المظلم الذي يعيشوه والذي جاءت القيم الاخلاقية التي يحملها الاسلام منسجمة تماماً مع ما يصبوا اليه اهل تلك البلاد. 
3.  تأثير اليهود في اخباراتهم ان نبياً على وشك ان يبعث في تلك الانحاء وجدت في قلوب اهل المدينة موقعها، فلما دعاهم النبي (صلى الله عليه واله) الى الاسلام وهو من عرف بين العرب بالصادق الامين.
4.  العلاقة السابقة لأهل المدينة بهاشم بن عبد مناف الذي تزوج من بني النجار ومعرفتهم بابيه عبد الله وبجده عبد المطلب، والذي يؤكد على اهمية تلك العائلة الشريفة وموقعها المهم في قلوب العرب بصورة عامة واهل المدينة بصورة خاصة كان عاملاً مهماً في استجابتهم للدعوة النبوية.
بعد قيام الدولة النبوية في المدينة المنورة لم تتعرض العلاقات القبلية السابقة بين القبائل العربية الى تغييرات جذرية، بل احتفظت القبائل العربية بعلاقاتها القديمة، فخزاعة كانت تربطها ببني هاشم علاقة نسب اذ كانوا اخوال قصي بن كلاب، وربطتهم ببني هاشم على مر التاريخ علاقات وطيدة، فلما جاء الاسلام ووقع العداء بين بني هاشم والقرشيين كانت خزاعة ميالة للنبي (صلى الله عليه واله) مسلمها ومشركها، بينما كانت قبائل اخرى مثل قبيلة بكر ترتبط بعلاقات وطيدة مع مشركي مكة، واقام النبي (صلى الله عليه واله) دولته في المدينة وكان هدفه الاول من الناحية العسكرية قريش، اذ احتفظت قريش على مدى احدى وعشرين سنة من البعثة النبوية برمزيتها للمشركين، فكانت المحور الذي تدور حوله رحى الشرك، فخاضت ضد النبي (صلى الله عليه واله) بمفردها معركة بدر واحد، ثم قادت القبائل العربية المشركة في ظل نشاط محموم لليهود للقضاء على الدولة النبوية في غزوة عرفت تاريخياً بغزوة الاحزاب او غزوة الخندق، وبعد فشلهم في غزوة الاحزاب لطول فترة الحصار وصمود اهل المدينة الذين لم تظهر عليهم بوادر الاستسلام، مضافاً الى تحقيق المسلمين نصراً غير معادلة الصراع تمثل بمقتل عمرو بن عبد ود العامري فارس قريش الذي كان يعد بالف فارس على يد امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) اذ كان مقتله نقطة مركزية في تحديد مصير المعركة، وقد بان ذلك واضحاً في قول النبي (صلى الله عليه واله) برز الايمان كله الى الشرك كله، وبعد مضي شهر على الحصار ونقص المؤن وضجر المقاتلين الذين لم يألفوا حرباً طويلة اذ كانوا يخوضون حروباً تحسم في يوم او يومين، انهار معسكر الشرك وارتحلوا تاركين اليهود يواجهون مصيرهم المحتوم لنكثهم العهود والمواثيق التي قطعوها للنبي (صلى الله عليه واله) عند وصوله المدينة، فكانت معركة خيبر من المعارك الفاصلة التي انهت التآمر اليهودي على عاصمة المسلمين.
ثم تلى غزوة الاحزاب ما عرف بصلح الحديبية الذي شكل نقلة نوعية في الواقع السياسي للدولة النبوية اذ اعترفت قريش رسمياً بالدولة النبوية ونصت بنود المعاهدة انه يحق للقبائل ان تتحالف مع اي الفريقين فحالف البعض النبي (صلى الله عليه واله) وحالف آخرون قريش، فكانت خزاعة في حلف النبي (صلى الله عليه واله) وبكر في حلف قريش، وبعد سنتين فتحت مكة لنقض قريش شرطاً في معاهدة الصلح بالتزام الحياد فيما اذا وقع القتال بين حليف لقريش وحليف للنبي (صلى الله عليه واله)، فلما وقعت الحرب بين خزاعة وبكر اعانت قريش بكراً بالسلاح، وكان ذلك سبباً لفتح مكة وانهيار ركن الشرك الركين، ودخلت قريش الاسلام كرهاً بعد ان حاربته احدى وعشرين سنة، وبفتح مكة اخذت القبائل العربية تدخل الاسلام تباعاً اختياراً او اضطراراً فهوازن كانت تستعد للاغارة على الدولة النبوية بعد فتح مكة، فغزاهم النبي (صلى الله عليه واله) في معركة خلدها القرآن الكريم عرفت بمعركة حنين، فأصبح الطريق معبداً نحو القبائل التي سكنت نجد واليمن بعد ان خضعت الحجاز كلها للدولة النبوية فأرسل النبي (صلى الله عليه واله) جيشاً على رأسه خالد بن الوليد المخزومي الى اليمن يدعوهم الى الاسلام فمكثوا شهراً يأبون الدخول الى الاسلام، ثم ارسل اليهم امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) فأسلمت همدان جميعاً في يوم واحد ثم تتابع اليمنيون لإعلان اسلامهم، ثم ارسل النبي (صلى الله عليه واله) رسله الى الشام ومصر والمدائن يدعون ملوك القبط والرومان والفرس للاسلام، فقتل رسول النبي (صلى الله عليه واله) الى الرومان فارسل قوة عسكرية من ثلاثة الاف مقاتل يقودها جعفر الطيار (عليه السلام) لرد اعتبار الدولة النبوية لانهم قتلوا المبعوث اليهم وهو يمثل الدولة النبوية، فالتقى المسلمون مع الرومان الذين كان جيشهم يفوق جيش المسلمين بعشرات الاضعاف عدداً وعدة، فجرت معركة مؤتة التي استشهد فيها جعفر بن ابي طالب (عليه السلام) وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة الانصاري (رضوان الله عليهما) واستشهد عدد كبير من المسلمين بعد ان سطروا اروع البطولات وتركوا في نفس الجيش الروماني شعوراً بالهلع والخوف ترك اثره واضحاً عليهم في الحروب التي جرت بعد رحيل النبي (صلى الله عليه واله).
ثم بلغ النبي (صلى الله عليه واله) ان الروم يستعدون لغزو بلاد المسلمين فجهز جيشاً ضخماً وزحف نحو بلاد الشام فلم يتعرض له الرومان ودخلت العديد من القبائل في الاسلام، ليمتد سلطان الدولة النبوية من حدود امبراطورية فارس وامبراطورية روما شمالاً وبحر العرب جنوباً والبحر الاحمر غرباً والخليج شرقاً.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=184264
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 07 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13