اختيار النجف محورا للسرد هو اختيار لقدسية المدينة الموغلة في قدسيتها ، قوة ترتبط بالواقع وتقود الرواية الى البطل الجمعي أي بمعنى انصهار المدينة في بوتقة الطف كربلاء ـــ والطف المعاصر ، القوي المتمرد على الطغيان والرافض كل اشكال التبعية ، كان حضور المقدس في الرواية يمثل حضور المجتمع النجفي ـــ الناس ـــ المواكب ـــ المكاتب ـــ الشعائر ، ومثل هذا اللون من الكتابة يرتكز على قدسية المكان ـــ الرمز ـــ التأريخ ـــ الأثر الجمعي ، ويقدم لنا قصصا داخل الرواية تثري العمل وتبرز مؤثرآته ،
الروائي عبد الله الميالي يكتب القصة والمقالة والنقد والبحوث ولو تأملنا في عنوان الرواية ( العروج الدامي ) صعود وارتقاء ( تعرج الملائكة والروح اليه ) ترتفع وتعلو والدامي ظاهر الدم ، يصف لنا المكان الذي سينطلق منه العروج المسجد والمقهى والشارع وشخوص الرواية كل وموقعه وعلاقة مشاعره بالشعائر والرموز المقدسة ، وهذا يتطلب معرفة التأريخ والبؤر الاجتماعية والسياسية المتعلقة بإرادة السلطات القمعية ليشكل من كل مرموز مكاني رافد مهم من روافد الرواية فقضاء الحمزة الشرقي منه عائلة الشهيد عبد الامير الذي يماثله الكاتب بشخصية القاسم عليه السلام من باب التضحية وتقارب الاعمار والاستعداد للتضحية والانتقال من الحمزة الشرقي الى الحويش ، من دلالات المضمون هو السعي لأبراز الشخوص باختلاف انتماءاتهم الفكرية التي يوحدها حب الحسين عليه السلام ، فيتوحد الفكر ، يتنامى النص الروائي عبر مجموعة قصص متفرقة تعتبر المناهل التي ترفد الرواية قصص وحكايات قصة السيد احمد الغريفي ، حكاية طالب الاكاديمية وسجن الأمن العام وناظم كزار ، وحكاية سلومي الفلس ، والجنون ، وحكاية السيد مرتضى الهاشمي بن السيد كاظم الهاشمي خادم في الصحن العلوي المقدس ، وشرح شكل ( الكشيدة) من اختراعات النجف وهي خاصة بالعاملين في خدمة العتبات المقدسة ، يرتكز الحوار على الخطاب العقلاني ذو المنحى الاستدلالي ، وتنوع المستويات الثقافية هو السبيل الآمن لتعميق الوعي الفكري ،:ـ( أرى يا صديقي ان تكفوا عن احلامكم الوردية الذي لمع ببروق امآل كاذبة ، خدعكم بها رجال يحسنوا النظير والتدبير ففشلوا في اثبات نظريتهم في بلدانهم ، فكيف لهم ان يسوقوها الى بلدان أخرى تختلف عنهم بالثقافة )، استطاعت هذه الرواية من استيعاب تلك المحاور ليفصل لنا المؤلف ثقافة الجذر العلمي للاسلام وفرق الفكر الواسع عن الخرافات الاسرائيلية السرية المسربة الى كتب المسلمين ، رواية العروج الدامي تجاوزت فكرة الحكي الى قضيتين مهمتين الاولى محاورة فكرية للتعبير عن الرأي المقوم وابعاد نمطية الفكر المستورد عن الفكر ،ثانيا ترسيخ احداث مواجهة حسينية وطنية من حق الشعوب ممارسة طقوسها بكل حرية والاهم ان تلك الاحداث معرضة الى الطمس بسطوة التأريخ المناوئ الذي يحرف جوهر الثورات ويفسرها على مزاجه ورؤاه وأن نجدها استوعبت الفلسفة ، السياسة ، علم النفس الفنون الرسم والشعر والشخصيات فاعلة متنوعة الرؤى متحدة المصير ، قضية الحسين عليه السلام أكبر من ان تناقش على موائد الانتماءات الفرعية لابد ان ينطلق منها كل فكر وناس ، نجد ان جميع الشخصيات مؤمنة بأن التضحية فوز وان قيمة النهوض هي نصر بأي نتيجة كانت ، استطاعت رواية العروج الدامي النظر الى الفكر من باب تجربة الشعوب وتمحيص الفكرة ، ومناقشات متنوعة في سبيل خلق الاقناع ، يرى الكاتب ان المنظرين الشيوعين هم من خلقوا لشيوعيتهم أعداء في مختلف أنحاء العالم ، عندما تدخلوا في امور لاعلاقة لهم بها استهانوا بالأديان وأنكروا وجود الله ، وفسروا التأريخ والمجتمع وطبيعة الانسان لاتقبل النقاش ولا يجوز الخروج عليها ، لكنه استطاع خلق رؤية عظيمة ، انه حبس الفكر الشيوعي في سجن التنظير ، وبالمقابل توحدت جميع الرؤى العملية تحت راية الحسين عليه السلام بمعنى آخر فصل بين التنظير الفكري ووجود الانسان ، بذاته الانسانية التي تعلو على كل تنظير ، وبهذا تكون رواية المعراج اضافت الى المتلقي المعرفة وخلقت المؤثر الفكري المؤمن ومن قدرات العقل الجمعي خلق علاقة بين المتلقي وشخوص الرواية ، بين فكر المتلقي وقدسية المدينة بجميع تفاصيل حياتها ، البهجة ـــ الناس ـــ الزينة ـــ الرايات ـــ الشموع ـــ المصابيح ـــ في البيوت ـــ المحلات ـــ الحسينيات ـــ والمساجد ـــ المواكب والهيئات الحسينية وقضية الاحتفاء بفرحة الزهراء عليها السلام ـــ زفات العرس ـــ الاشعار ــ القصائد ، العشق البريء لتكشف المدينة
علي الخباز, [03/07/2023 02:25 م]
عن نفسها وتلجأ في محورها الثاني بلغة وصفية لعالم فردوسي وطقوس ولائية ـــ طقوس رؤية الهلال ـــ طقوس فرحة الزهراء وطقوس عاشوراء والمشاعل وكل مشعل يمثل البيوتا ت النجفية وهذه المشاعل رمز الى ديمومة الفكر والانتماء ، لايمكن لحاكم أو سلطان ان يخمدها ، تعد هذه الرواية من روايات الواقع ، تسأل باسئلة مصيرية وفضاء سردي محور في فصول الرواية الأخيرة الى مشاهد سردية ووثائق سيرة ، ثورة شعب ضد من يريد الغاء هويته ، ما حدث في مسيرة الاربعين ، ومعاناة أصحاب تلك الشعائر من دوائر الامن ورجال الحزب ، والمحافظ وقادة الحزب ، يلخص لنا السيد عبد الله الميالي رؤيته ، فهو يرى ان تلك الشعائر الحسينية هي التوازن الحقيقي للمجتمع ، وان الشعائر دليل رفض لكل انواع السلطة ففي اختيار العنوان ( العروج الدامي ) معبر ذكي عن احداث تلد في ذهن المتلقي ، وبقى هذا المستهل الحسيني معه ( جسام يا ضنوتي رايح رايح من عيوني ) نعيش معها احداثا اغرب من الخيال تحمل الواقع الذي عاشه النجف ويعري قبح السلطة ، ويرسخ ثقافة العقيدة ، ووثق لنا مرحلة مهمة من مراحل الواقع الحقيقي المحرك في فضاءات الزمن والمكان، النجف يعني كل العراق ، بل كل مدينة تناصر الحسين عليه السلام ، تبلورت الهوية ، وتبلور الانتماء الحسيني الحقيقي يوم اعلنت فيه النجف ان كرامتها وعقيدتها وحريتها فوق كل تهديد ووعيد وانذار ، والآلية التي صور بها الاحداث التاريخية لواحدة من مدن الرفض الحسيني ، والتي تصور ما حدث في المسيرة الاربعينية ، والاحداث والوقائع وباسماء القادة ، والراية الخضراء الكبيرة مطرزة بآية ( يد الله فوق أيديهم ) واستثمر مصداقية الواقع والتزام الكاتب بالحقيقة التأريخية لمواجهات خان النص ، مع اعطاء فسحة لرفع الشعارات الفكرية ( ان نظاما يتعامل مع شعبه من دون احترام لمعتقداته الدينية والمتوارثة ، مصيره الى الزوال ) او نقرأ مثل هذه العبارات الصارخة ( الشهادة أوسع ابواب التأريخ ) الرواية سعت الى المحافظة على قيمة تلك التضحيات كي لا تتعرض الى طمس القيمة بتفاصيل قد تزور ، الرواية لم تشتغل بمعنى اعادة الاحدث بنقل حرفي وأنما بالرؤية ليرى المتلقي الاحداث ببصيرة ، ، وفق مؤلف رواية / العروج الدامي / في ايصال الصورة الواضحة لثورة المسيرة الاربعينية ، لينهي الرواية باكبر الاحداث مأسآوية شريط تسجيل يردد مع عويل أم الشهيد محمد
( جسام يا ضنوتي .. رايح .. رايح من عيوني )
|