قال الله تعالى عن الهدي: "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ﴿البقرة 196﴾، و "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ﴿المائدة 2﴾.
جاء في كتاب فتاوي الحج والعمرة للسيد محمد سعيد الحكيم: لا يدل الصحيح على كفاية شراء الهدي في جواز الحلق، بل على لزوم صيرورته في الرحل في منى، كما هو مقتضى قوله عليه السلام: (فقد بلغ الهدي محله)، فإن محل الهدي هو منى، لأنها هي المنحر كما تقدم. ومن الظاهر تعذر ذلك في هذه الأيام تبعاً لتعذر الذبح في منى، بل الظاهر الكفاية ببلوغ الهدي محله عن وصوله لمحل ذبحه بحيث يترتب الذبح في المحل المذكور على الوصول إليه اكتفاءاً بالوصول إليه الذي هو مقدمة للذبح فيه من الذبح فيه، وعلى ذلك يكفي في جواز الحلق أو التقصير وصول الهدي لمنى لو أمكن إذا لم يترتب عليه ذبحه فيها كما هو المفروض في المقام ـ فضلاً من أن يكفي فيه شراء الهدي من دون أن يصل الى منى. هذا وقد يدعى أن اللازم مع تعذر الذبح بمنى الانتقال للصوم، لتعذر الذبح بتعذر شرطه، لكنه ـ مع اباء المرتكزات المتشرعية عنه ـ لا شاهد له، لأن موضوع الانتقال للصوم بمقتضى قوله تعالى: "فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ" (البقرة 196)، عدم وجدان الهدي ، لا عدم القدرة على ذبحه. بل لا يبعد انصرافه الى عدم القدرة المالية، وهو المناسب لما سبق في معتبر النضر بن قرواش، من أن من وجد ثمن الهدي يودعه عند بعض أهل مكة ليذبح عنه بعد ذلك. ويؤيد ذلك ما سبق من اجزاء الذبح في مكة للناسي حيث يناسب عدم ركنية منى في الذبح ومن ثَمَّ لا مخرج عما ذكرنا. نعم حيث كان المورد من موارد التقية، ولا سيما مع ذهاب مشهور العامة لاجزاء الذبح في غير منى فالمتعين الاكتفاء في عدم الذبح بمكة بمضايقات المخالفين من الحكام أو غيرهم، بحيث يكون الإنسان معرضاً للمشاكل من جهتهم وإن لم تبلغ حد الخطر أو الضرر المعتد به، لعمومات التقية المقتضية لإجزاء العمل معهم وعلى وفق مذهبهم. قوله تعالى: "فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ" (البقرة 196)، بضميمة المفروغية عن عدم وجوب نية إقامة عشرة أيام في أثناء الحج من أجل الصوم المذكور. مضافاً إلى النصوص، ومنها موثق سماعة المتقدم.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ" (البقرة 196) تضيف الآية "فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ" (البقرة 196) و هذه إشارة إلى أنّه يجب الذبح في حجّ التمتّع و يكون المكلّف في هذا الحجّ قد أتى بالعمرة قبله، و لا فرق في هذا الهدي بين أن يكون من الإبل أو من البقر أو من الضّأن دون أن يخرج من الإحرام. و حول الأصل في كلمة (الهدي) فهناك قولان حسب ما أورده المرحوم الطبرسي: الأوّل أنّه مأخوذ من (الهدية) و بما أنّ الأضحية هي في الواقع هديّة إلى بيت اللّه الحرام فقد اطلق عليها هذه الكلمة، و الآخر أنها من مادّة (الهداية) لأن الحيوان المقرّر للذّبح يؤتى به مع الحاج إلى بيت اللّه الحرام، أو يكون هدايته إلى بيت اللّه. و لكنّ ظاهر كلام الراغب في المفردات أنّه مأخوذ من الهديّة فقط فيقول: (هدي) جمع و مفرده (هديّة). و قد أورد في معجم مقاييس اللغة أنّ لهذه الكلمة أصلان: الهداية و الهديّة، و لكنّ لا يبعد أن تعود كليهما إلى الهداية، لأنّ الهديّة تعني الشيء الّذي يهدى إلى الشخص الآخر، أي يساق إليه هديّة (فتأمّل بدّقة). ثمّ أنّ الآية تبيّن حكم الأشخاص الغير قادرين على ذبح الهدي في حجّ التمتع فتقول: "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ" (البقرة 196). فعلى هذا فلو لم يجد الإنسان أضحية أو أنّ وضعه المالي لا يطيق ذلك فيجب عليه جبران ذلك بصيام عشرة أيّام، يصوم ثلاثة أيّام منها (يوم السابع و الثامن و التاسع من ذي الحجّة) في أيّام الحجّ و هذه هي من الأيّام الّتي يجوز فيها الصوم في السفر و يأتي بصيام سبعة أيّام بعد ذلك حين العودة إلى الوطن. واضح أن مجموع ثلاثة أيّام في الحج و سبعة بعد الرجوع يساوي عشرة، لكنّ القرآن عاد فأكّد بأنّها عشرة كاملة. بعض المفسّرين قال في تفسير هذه الجملة أن الواو تأتي للجمع و تأتي أحيانا للتخيير بمعنى (أو)، و من أجل رفع توهّم التخيير أكّدت الآية على رقم عشرة، و يحتمل أيضا أن التعبير بكلمة (كاملة) إشارة إلى أنّ صوم الأيّام العشرة يحلّ محل الهدي بشكل كامل، و لهذا ينبغي للحجاج أن يطمأنّوا لذلك و أنّ جميع ما يترتّب على الأضحية من ثواب و بركة سوف يكون من نصيبهم أيضا. و قال بعضهم: إنّ هذا التعبير إشارة إلى نكتة لطيفة في العدد (عشرة) لأنّه من جانب أكمل الأعداد، لأنّ الأعداد تتصاعد من واحد يتصل إلى عشرة بشكل تكاملي، ثمّ بعد ذلك تترتّب من عشرة و أحد الأعداد الاخرى لتكون أحد عشر و اثني عشر حتّى تصل إلى عشرين أي ضعف العدد عشرة ثمّ ثلاثين و هكذا.
ويستطرد الشيخ الشيرازي في كتابه تفسير كتاب الله المنزل عن الهدي: قوله تعالى "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ" (البقرة 196) أنّ الآية الشريفة تشير إلى أمر آخر من مناسك الحجّ فتقول: "وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ" (البقرة 196). فهل أنّ هذا الأمر يتعلّق بالأشخاص المحصورين الممنوعين من أداء مراسم الحجّ، فهو بمثابة تكميل للأوامر السابقة، أو أنّه يشمل جميع الحجّاج؟ اختار بعض المفسّرين الرأي الأوّل و قالوا أنّ المراد من محل الهدي أي محل الأضحية هو الحرم. و قال آخرون أنّ المراد هو المكان الّذي حصل فيه المانع و المزاحم و يستدلّ بفعل النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلّم في واقعة الحديبيّة الّتي هي مكان خارج الحرم المكّي، حيث أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بعد منع المشركين له ذبح هديه في ذلك المكان و أمر أصحابه أن يفعلوا ذلك أيضا. يقول المفسّر الكبير المرحوم الطبرسي: (ذهب علمائنا إلى أنّ المحصور إذا كان بسبب المرض فيجب عليه ذبح الأضحية في الحرم، و إذا كان بسبب منع الأعداء فيجب الذبح في نفس ذلك المكان الّذي منع به). و لكنّ ذهب مفسرون آخرون إلى أنّ هذه الجملة ناظرة إلى جميع الحجّاج و تقول: لا يحقّ لأحد التقصير (حلق الرأس و الخروج من الإحرام) إلّا أن يذبح هديه في محلّه (ذبح الهدي في الحجّ يكون في منى و في العمرة يكون في مكّة) و على كلّ حال، فالمراد من بلوغ الهدي محلّه هو أن يصل الهدي إلى محل الذبح فيذبح، و هذا التعبير كناية عن الذبح. و مع الأخذ بنظر الاعتبار عموميّة التعبير الوارد في الآية الشريفة فالتفسير الثاني يكون أنسب ظاهرا بحيث يشمل المحصور و غير المحصور. ثمّ تقول الآية "فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ" (البقرة 196) "نسك" في الأصل جمع (نسيكة) بمعنى حيوان مذبوح، و هذه المفردة جاءت بمعنى العبادة أيضا و لهذا يقول الراغب في المفردات بعد أن فسّر النسك بالعبادة: هذا الاصطلاح يأتي في أعمال الحجّ و (نسيكة) بمعنى (ذبيحة). و يرى بعض المفسّرين أيضا أنّ الأصل في هذه الكلمة هو سبائك الفضّة، و قيل للعبادة (نسك) بسبب أنّها تطهّر الإنسان و تخلّصه من الشوائب. و على أيّ حال فإنّ ظاهر الآية أنّ مثل هذا الشخص مخيّرا بين ثلاث امور (الصوم و الصدقة أو ذبح شاة). و الوارد في روايات أهل البيت عليهم السّلام أنّ الصوم في هذا المورد يجب أن يكون ثلاثة أيّام و الصّدقة على ستّة مساكين، و في رواية اخرى على عشرة مساكين، و كلمة (نسك) تعني شاة.
|