• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : اسس اصطفاء الافراد والجماعات في القرآن الكريم :ح 15 التفضيل في المجتمعات .
                          • الكاتب : السيد عبد الستار الجابري .

اسس اصطفاء الافراد والجماعات في القرآن الكريم :ح 15 التفضيل في المجتمعات

ثم يقرر الكتاب العزيز مرحلة اجتماعية اخرى لبني اسرائيل وهي مرحلة قسوة القلب نتيجة التمرس على المعصية والاصرار عليها، وانهم كمجتمع موحد قد بلغوا من الاصرار على المعصية الى درجة انهم ران على قلوبهم ولم يعد فيهم خيراً يرتجى
﴿ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون ֍ أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ֍ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون ֍ أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ֍ ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون﴾  
وان هذه السمة ملازمة لهم ولن يحيدوا عنها، فهم مجتمع موحد عاص، معتز بانتمائه الى دينه الذي ضحى لاجله كثيراً واضطهد بسبب الانتماء له وعدم الانسلاخ عنه بتضحيات عظيمة، الا انه تحول الى مجتمع فارض لذاته على الدين وليس مجتمعاً متبعاً تتبعاً تاماً لأحكام الدين، فالدين عند زعامات بني اسرائيل في هذه المرحلة كان هوية اجتماعية اكثر منه عقيدة وشريعة، وان كان يسوق للمجتمع انه اتباع للدين الحق وانهم يقيمون دين الله فهم مجتمع النبوات وكتابهم التوراة نزل على موسى الكليم (عليه السلام)
﴿فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ֍ وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون ֍ بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ֍ والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ﴾ 
 ولذا اصبح الطابع العام لقادة بني اسرائيل هو التمسك بمظاهر التعاليم التوراتية ورفض كل ما من شأنه ان يسحب البساط من تحت ارجلهم، وانهم كانوا يبثون في عوام بني اسرائيل انهم شعب الله المختار وانهم افضل الخلق وانهم ابناء الله واحباؤه، وكلما شعروا ان هناك حركة من شأنها ان تؤثر سلباً على مكاسبهم وقفوا بوجهها بشدة حتى كذبوا الانبياء الذين ابطلوا دعاواهم بل وقتلوهم وافتروا على مريم (عليها السلام) ليضمنوا عدم تأثر مجتمع بني اسرائيل بعيسى (عليه السلام) ثم سعوا الى قتله والقضاء عليه 
﴿وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون ֍ وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ֍ ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ֍ أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ֍ ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ֍ وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون﴾  
ولما جاء الاسلام بذلوا ما بإستطاعتهم للقضاء عليه، ففضلاً عن تكذيب الدعوة النبوية دخلوا في تحالفات مع المشركين ضد دولة النبي (صلى الله عليه واله) كانت غزوة الاحزاب من ابرزها، اذ عمل اليهود على التقارب بين القبائل العربية المشركة حتى شكلوا منهم جيشاً عرمرماً لم يكن في وسع القرشيين لوحده جمعه والتأليف بين قادته
﴿ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ֍ بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين ֍ وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين﴾
ثم تعود ايات الذكر المبين لتقرر ما اقترفه بنو اسرائيل من مخالفات وما قدمته لهم يد الغيب من رعاية وعناية، الا انهم في كل مرة يعودون الى المعصية ومخالفة اوامر الله تعالى، فهم بدلاً من ان يطيعوا تعاليم الدين ويمتثلوا اوامر الانبياء والمرسلين ليحققوا بذلك محض العبودية لله تعالى ويؤدوا ما فرض عليهم من تكاليف لنشر التوحيد واقامة دين الله في الأرض اتبعوا اهواءهم فضلوا واضلوا، ولم يقفوا عند ذلك الحد بل عملوا على التآمر على الانبياء ومن آمن بهم، وتبعهم على ذلك من اعتنق النصرانية، فغدوا يطوعون الدين لرغباتهم وارادتهم ويفرضون انفسهم على الدين بدلاً من ان يتبعوه، فلما جاء الإسلام بدلاً من ان يؤمنوا به ويصدقوه، دفعهم حب الاحتفاظ بمكتسباتهم الى تكذيبه والعمل على هدمه، ومنطلق النصارى في ذلك كمنطلق اليهود نابع من سنة اجتماعية فرضتها طبيعة النفس الامارة بالسوء، وحب الذات والرغبة في التسلط وحفظ المكتسبات المادية، وان كانت على حساب الدين والحقيقة، وهو بذاته المنطلق الذي دفع المشركين لتكذيب النبي (صلى الله عليه واله) ومحاولاتهم المستميته للقضاء على الإسلام، فهذه ساحة مشتركة بين المشركين واهل الكتاب توحد قواهم وترص صفوفهم في سبيل القضاء على الأمر الجديد الذي استهدف مراكز قوتهم ومكاسبهم المادية وسلطانهم الدنيوي، فسعوا ما بوسعهم للقضاء على الإٍسلام منذ بزغ نوره في مكة المكرمة وحتى انهيار معقل الشرك الاكبر في مكة
﴿ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ֍ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين ֍ قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ֍ ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ֍ ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون ֍ قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين ֍ من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين ֍ ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون ֍ أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ֍ ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ֍ واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ֍ ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون ֍ يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم ֍ ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم﴾




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=183554
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 06 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13