• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : اسس اصطفاء الافراد والجماعات في القرآن الكريم الحلقة الثانية عشر التفضيل في المجتمعات2 .
                          • الكاتب : السيد عبد الستار الجابري .

اسس اصطفاء الافراد والجماعات في القرآن الكريم الحلقة الثانية عشر التفضيل في المجتمعات2


انتقل بنو اسرائيل الى مصر بعد ان اصبح يوسف (عليه السلام) على خزائن الارض، واصبح وزيراً لملك مصر في ما يتعلق باقتصاد اضخم امبراطورية في ذلك التاريخ، وبإنتقال بني اسرائيل الى مصر حصلت العديد من التغيرات على مر الزمن. 
بانتقال بني اسرائيل الى مصر تحولوا من حياة البداوة الى حياة الحضر والمدنية، فمن مجتمع كانت تسوده اعراف الصحراء وطبيعتها الجافة، الى مجتمع يعيش المدنية والاستقرار والحضارة والتطور في مختلف الاصعدة الثقافية والعمرانية والعسكرية والاقتصادية. كما انتقلوا من مجتمع محدود يترأسه النبي يعقوب (عليه السلام) بعيداً عن تأثير الفلسفات والأفكار والعقائد والآراء الى مجاورة مجتمع يعبد الأوثان ويعتقد بإلوهية الملوك، المجتمع المصري مجتمع متحضر اذ اتقن تحويل البردي الى الواح للتدوين واخترع الكتابة الهيروغليفية لإدارة اموره، مجتمع فيه ملوك ووزراء وجيش وله نظام اداري على ضوئه تدار امور تلك المملكة الواسعة المترامية الأطراف.
كانت انتقالة بني اسرائيل من بادية كنعان الى مصر لاعدادهم – كمجتمع -  الى المرحلة المقبلة، مرحلة بناء دولة التوحيد التي يرأسها الانبياء وشعبها الموحدون، وبحسب طبيعة المجتمعات فإن انتقال المجتمع من مجتمع بدوي متخلف ادارياً الى مجتمع مدني متحضر يحتاج الى فترة زمنية ليست بالقليلة، فالتغير الاجتماعي بطبيعته يحتاج الى فترة زمنية طويلة، اذ لا يكفي في التحولات مجرد الحصول على المعلومات بل لابد فيها من تغير في الكثير من المباني التي لابد لها من التغير لإقتضاء كل واقع مجتمع مبادئ وقيم تختلف عن المجتمع الآخر، ومن الطبيعي ان يتأثر المجتمع الصغير بالمجتمع الكبير وربما يؤثر فيه ايضاً.
الميزة التي كانت لمجتمع بني اسرائيل وكانت مفقودة لدى المجتمعات الاخرى انهم طيلة وجودهم في مصر لم يعدلوا عن التوحيد، بل بقوا موحدين وملتزمين بالخطوط العامة لأحكام الدين التي ورثوها عن ابراهيم واسحق ويعقوب (عليهم السلام) ولم يتركوا تلك الخطوط العامة على الرغم من الإضطهاد والظلم الذي تعرضوا له في ظل سلطة الفراعنة، بينما اذا قرأنا تاريخ المجتمعات الاخرى التي بعث اليها الانبياء قبل النبي ابراهيم (عليه السلام) نجد انهم كانوا يتحولون تدريجياً من التوحيد الى الشرك، فالمجتمع البشري الاول كان موحداً وبقى على التوحيد حتى دب الشرك فيه فلما بعث الله نوحاً (عليه السلام) كان الدين العام للناس هو الشرك وعبادة الاوثان، ولما اغرق الله الارض بالكافرين ولم يبق عليها الا الموحدون وهم نوح (عليه السلام) ومن معه، بعد مضي القرون تلو القرون عاد الشرك ليكون هو الحاكم على الارض حتى بعث الله النبي ابراهيم (عليه السلام) ليكون امة توحيد في قبال امم الشرك، فلذا كانت في بني اسرائيل ميزة لم تكن في المجتمعات التي سبقتهم وهي ثباتهم على التوحيد، وان كانت قد ظهرت فيهم هنة بعد الخروج من مصر اذ طلبوا من موسى (عليه السلام) ان يجعل لهم صنماً يعبدوه بعد ان مروا على قوم عاكفين على اوثان لهم، وعبدوا العجل الذي اخرجه لهم السامري، والسبب في ذلك يعود الى تأثرهم بالوثنية في مصر، الا ان هذه النزعة نحو الوثنية لم تكن عامة في جميع بني اسرائيل كما انها لم تكن مستقرة في قلوبهم اذ بمجرد ان عاد لهم موسى (عليه السلام) تابوا، وطلبوا الى موسى (عليه السلام) ان يطهرهم مما بدر منهم فأمرهم بقتل انفسهم، وقد كان ذلك تطهير اجتماعي من الآثار الفاسدة التي تلقوها عن وثنية المصريين.
وصفة اخرى تغلغلت الى قلوب بني اسرائيل نتيجة انتقالهم من حياة البداوة الى التحضر من جهة وللظلم والاضطهاد الذي عاشوه في ظل الفراعنة من جهة اخرى، اذ نمى فيهم روح الخنوع والذل واصبح ظاهرة اجتماعية تحكمت بقرارهم المصيري، وقد انعكس ذلك بوضوح عندما طلب اليهم موسى (عليه السلام) ان يتهيأوا للجهاد لدخول الارض المباركة، الا انهم رفضوا ذلك قائلين ان فيها قوماً جبارين، واعلنوا رفضهم العام للدخول في الحرب فقالوا لموسى (عليه السلام) اذهب انت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون، فكان هذا مرض اجتماعي آخر بحاجة الى المعالجة، فكتب الله عليهم التيه اربعين سنة للتخلص من هذا السلوك الاجتماعي.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=183363
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 06 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13