اعادنا الصديق الروائي عبد الجبار ال مهودر ، إلى زمن السبعينيات ، حيث بداية التصفيات الفردية والجمعية للسلطة في تلك الحقبة التي شهدت احداث وإجراءات غير مسبوقة في العراق ، تمثلت بالتهجيرات القسرية لبعض العراقيين بمسوغ التبعية الإيرانية ، فكان التهجير الاول في بداية السبعينيات ،، والتهجير الثاني في بداية الثمانينيات بعد العملية المفبركة في الجامعة المستنصرية التي اتهم فيها المغدور ،سمير غلام رضا ، الطالب في الجامعة المستنصرية ، والتي صورت على أنها عملية اغتيال لطارق عزيز !!! ..
وهي حقيقة كانت مخطط لها من قبل السلطة ، لاتهام الكرد الفيلية بالتبعية الإيرانية ، اي الشيعة الكرد ، بأنهم وراء ذلك ،وتهحيرهم ،، ثم اعلان الحرب على إيران ، بعد سلسلة من الفبركات والافتعالات الأخرى. ..
وقد كشفت إحدى الطالبات في الجامعة المستنصرية وقت التفجير ، قبل أيام في استذكار لها لتلك الأيام ، بأن العملية كانت مدبرة وبدقة متناهية ، ووفق سيناريو مفتعل لأجل ايجاد ذريعة لتهجير ذوي التبعية وتمهيدا للحرب ..
وذكرت بأنها كانت تجلس مع صديقتها قرب سياج الجامعة من جهة القاعة وبعيدين عن بقعة الاحتفال ، ، وفوجئنا بعناصر عسكرية ترتدي ازياء غريبة تعبر السياج ، وهم فوجئوا بنا ، فصرخوا بنا ماذا تفعلن ،، واخذونا لمكان خلف القاعة وامرونا أن نجلس هنا ولا نتحرك وكنا مرعوبتان ، ولانعرف ماذا يجري داخل الجامعة ،، ويبدو أنهم كانوا مرتبطين بتوقيتات ، فتركونا وانتشروا باتجاه موقع الاستقبال وابتعدوا عنا بعض الشيء ،، فقلت لصديقتي لنهرب كل واحدة من جهة وباسرع وقت ،، وانطلقنا هاربتان نحو الصفوف ، وبعد وقت قصير حدث انفجار فانخرطنا بالزحمة ، وسط حالة رعب شديدة .. ثم عرفنا أن الطلبة جميعا كانوا محتجزين بالصفوف !!!!. وتبين أن هذه العناصر هي التي أحدثت الانفجار ..
وعلمنا أن سمير غلام استدرج لموقع الاحتفال من قبل بعض عناصر بالجامعة ، وقتل ، وتركت قربه حقيبة فيها مسدس وأشياء أخرى ، لالصاق الجريمة به ..
واكملت حديثها بأنه في اليوم التالي احتلت المدرسة الايرانية التي زعمت أجهزة النظام أنها انطلقت منها العيارات النارية على مسيرة التشييع ،، وانتشر فيها عناصر عسكرية ، وهي كانت فارغة من الإيرانيين. ..
وفي سرد بديع تنقلنا مع الكاتب في أنحاء عديدة ، منها معاناة المهجرين ، ومعاناة الطلبة آنذاك ،، والتظاهرة التي خرجت من جامع الامام الباقر ضد السلطة وعلى إثرها جرت اعتقالات كثيرة ، ( وقد لجأ أحد الأصدقاء لي بعد انفضاض التظاهرة واويته ببيتي وهو الشهيد علي رحيمة يرحمه الله ) ..
وعرج على محاضرات الشيخ الوائلي التي كنا نحضرها ذلك الزمن بجامع الخلاني ..
ومن خلال حياة أبناء وبنات المنطقة ، من طلبة الإعدادية ، تعرفنا على حركة النضال السري لحزب الدعوة ، وتحركات الطلبة ، وشجاعتهم ،، والعلاقات الإنسانية بينهم. ..
ولقاءاتهم في مكتبة ، العباس بن الاحنف ،في منطقة الكيارة بمدينة الصدر ، والتي اعانتهم بالكثير من الكتب المهمة " ولاادري هل هو من خيال المؤلف ؟ ، ام حال واقعي ، وهو ذهاب البنات للمكتبة " . .
ومن فضيلة الرواية أنها عرفتنا ببعض رموز تلك الحقبة في المدينة وعلى رأسهم السيد قاسم المبرقع ممثل المرجعية الرشيدة الذي قتل وعائلته بعد المسيرة التي جرت حينذاك وتصدى لها عضو الفرقة بالحزب ( المدعو عبد الرحمن موسى ) ، وقتل وقتها ، ما استدعى أن تأتي قوات عسكرية للمنطقة وتسيطر على الموقف. ..
وفي اليوم التالي حضرت لمدينة الصدر حشود من تنظيمات حزب البعث في بغداد .. وهي تحمل شعارات مختلفة اتذكر منها شعار ( سنطرق أبوابهم الداخلية حتى المركز ) ..
ركز الكاتب على مجموعة من الشخصيات المحورية كابطال بروايته التي انطلق فيها من المقبرة التي ضمت جثامين احبابهم الذين استشهدوا واعدموا ، والحوارات المؤلمة بين هدى ومريم وبقية أفراد العائلة ،، مسترجعا بطريقة " الفلاش باك " الماضي القريب أثناء التهجير ، والعمل التنظيمي المناوىء للسلطة ، واجراءات السلطة والحزب إزاء المعارضين ..
وشد الكاتب القارىء وشوقه للاسترسال بقراءة الرواية لانها تكشف عن حالات عجيبة غريبة..
وهو حقا كان عمىلا روائيا تحلى بالمصداقية في ذكر الاحداث ، والواقعية في تناول معاناة الناس في بدايات ذلك العهد . .
وللحديث بقية . .
|