واخيرا أقر البرلمان الموازنة الثلاثية التي أريد لها ان تكون فريدة بشكلها ومضمونها،فالموازنة لثلاث سنوات فريدة بكونها الأولى في العراق ،إذ معروف ان الموازنة غالبا ما تكون السنة واحدة على ان تشمل توفير الأموال،لما مخطط له في تلك السنة المالية من مشاريع واحتياجات ما بين التشغيلية والاستثمارية ،لكن شاءت قدرة القوى السياسية ان تجعلها للأعوام الثلاث المقبلة لغايات تزعم انها لتفادي معوقات العمل،أو لتلافي غياب الغطاء المالي لحملة إصلاح اقتصادي مزمعة من قبل الحكومة الحالية .
الموازنة الجديدة، التي عملت عليها الحكومة والبرلمان،ربما ستشكل خطرًا كبيرًا على الاقتصاد الوطني، بسبب المبالغة الكبيرة في الإنفاق التشغيلي ونفقات أخرى لم يعرف تبويبها حسب خبير اقتصادي، فضلًا عن إقرار الموازنة على افتراض سعر برميل النفط 70 دولار وهو مخالف لكل التوقعات التي تتوقع تراجع أسعار النفط.
الموازنات العراقية السابقة سجلت عليها انها موازنات رقمية وليست موازنات مشاريع بمعنى لا توجد مشاريع في الموازنة حتى تنفق الحكومة عليها!!.
الموازنات السابقة والجديدة، غالبا ماتفتقر للإيرادات غير النفطية فالايرادات غير النفطية ينبغي ان تكون ناجمة عن القطاعات الانتاجية وليست من خلال فرض الضرائب على الفقراء.
ومن خلال متابعتي لهذا الموضوع اثارتني ملاحظات هامة وضعها متخصص بهذا المجال عنها لخصت اهم سلبيات هذه الموازنة الضخمة جدا..
الملاحظة الاولى ،هي غياب الرؤية الاقتصادية للموازنة العامة، إذ ان الرؤية الاقتصادية لأي موازنة لكي تكون واعدة يجب أن تستهدف تنويع الاقتصاد الوطني والمشكلة ان هذه موازنة ليست سنوية بل لثلاثة سنوات خلت من هذه الخطوة، لذلك نلاحظ تركيز في هذه الموازنة على الايرادات النفطية وتركيز ايضاً على قطاعات محددة.
الملاحظة الثانية،إطلاق يد الحكومة في الاقتراض، وايضاً لثلاثة سنوات مما سترتب عليها اعباء مالية اخرى وهذا يرتبط بدخول العراق بحلقة العجز الدين، إذ ان ديون العراق الحالية (الداخلية والخارجية) تبلغ 95 تريليون دينار وعند إضافة ديون العجز في هذه السنة وموازنة السنتين 2024 و2025، ستتضاعف الديون بشكل أكبر وهذا سيؤثر سلباً على النفقات الاستثمارية، لانه سيتم التضحية بها لأجل الايفاء بأقساط الديون وخدمتها.
الملاحظة الثالثة انه لا تنسجم حصة الايرادات النفطية المتأتية من اقليم كردستان العراق مع قرار المحكمة الاتحادية الاخير الصادر في 15/ 2/ 2022 القاضي باعتبار النفط مورد اتحادي يخضع للحكومة الاتحادية من كافة النواحي: الادارة والانتاج والتصدير والايراد، بمعنى ان الاتفاق (بين الحكومة والاقليم) على هذه الحصة من الايرادات النفطية في الموازنة لا ينسجم مع قرار المحكمة الاتحادية العليا.
اما الملاحظة الرابعة فهي خروج الموازنة عن مبدأ السنوية، يسبب كثيرا من المشاكل، لان كثير من المؤشرات تحسب سنوياً، كذلك ان من قواعد الموازنة التي لا يمكن المساس بها هو قاعدة سنوية الموازنة حتى تسهل السيطرة عليها.
واخيرا وخامس الملاحظات انها تشير إلى ان الموازنة لا تنسجم مع البرنامج الحكومي، حيث اشار الاخير لمسألة اعادة هيكلية الموازنة العامة وادارة المال العام لتقليل الانفاق الاستهلاكي وتعظيم الايرادات لكن هذه الموازنة جاءت خارج هذه النطاق بل وهناك تضخم في النفقات الاستهلاكية وزيادة العجز! ايضاً مسألة ضغط الدين العام حيث يصل الدين العام بحدود 50% وهذا لا ينسجم مع البرنامج الحكومي!.
الموازنة الثلاثية هذه حملت بين طياتها فرض ضرائب ستشكل عبئا إضافيا على كاهل المواطن وهي توزعت بين فرض ضريبة بنسبة 5% على عوائد مبيعات اللتر الواحد من البنزين،و ضريبة بنسبة 10% على زيت الغاز او الكاز، وضريبة بنسبة 15% على الوقود المستورد،اضافة الى فرض ضريبة بنسبة 1% على مبيعات النفط الاسود،واخرها ضريبة المطار وهذه سفرض بجميع المطارات بمبلغ مقطوع مقداره 25 ألف دينار للشخص الواحد للمسافرين الى خارج العراق.
الهاجس الآن والذي،يقلق حقيقة في هذا الموضوع هو طرق وآليات تنفيذ بنود هذه الموازنة، وهل هنالك إمكانية لتحقيق إنجاز خدمي من تلك المليارات!، وهذا أمر يفرض إيجاد آليات جديدة في الإنفاق، وتعزيز المحاسبة والنزاهة، لتفويت الفرصة على الفساد واذنابه في بعض أحزاب السلطة لالتهام هذه الأموال ، وقديما قيل المال السائب يعلم السرقة.
|