في أيام الدراسة سألَنا أحدُ أساتذتنا ذات مرة : برأيكم من الأفضل ، المهندس الذي يقف مع العمال من بداية الدوام الى نهايته ، أم المهندس الذي يقوم بزيارات خاطفة للعمل ثم يعود الى مكتبه ..؟

فكان الجواب بالنسبة لنا بديهياً ، وهو المهندس الأول ، فهو حريص ومثابر ويتابع أدق التفاصيل .. الخ .

فقال : خطأ ، هذا ليس مهندساً ، هذا واحد من العمال ..!! ثم قال : المهندس الحقيقي هو الذي لديه حنكة قيادية وإدارية بحيث يجعل العامل يؤدّي عمله بنفس الكفاءة ، سواء كان حاضراً أو غير حاضر ..! لأن المهندس لديه مسؤوليات أخرى ، إدارية أو مكتبية أو مشاريع أخرى .. فلا يستطيع التواجد المستمر ..

فقلنا له : ماذا يفعل مثلاً ..؟ فقال : مثلاً لو توصلّت أنت الى معادلة معينة لخلطة الكونكريت مناسبة لنوع المُنشأ أو المشروع الذي تقوم أنت بتنفيذه ، ولكن لديك مخاوفاً من مشغل الخباطة المركزية بإحتمال عدم التزامه بنسب تلك المعادلة ، وهو عادةً بعيد عن موقع العمل ، فبحركة بسيطة تستطيع ان تجعله حريصاً مثلك على دقة المعادلة ، وهي أن تقول له : أنت صاحب خبرة ، ما رأيك بهذه المعادلة التي سنعمل بها ، فالحسابات اظهرتها لنا هكذا ..؟ فسيؤكد لك أنها ممتازة وأنه عمل بها سابقاً وعندها سيكون حريصاً عليها مثلك لأنك اشركته بالرأي والمسؤولية وبالتالي يريد ايضاً إثبات حصافة رأيه ..

أقول : لم يعد مهندس الموقع قائداً حقيقياً لفريق العمل ولا مديراً مستقلاً في إدارة المشروع ، فمن جهة هو موظف صغير أمام مراجعه الرسمية.. ومن جهة أخرى فإن شركات المقاولات أصحاب نفوذ كبير وعلاقات مؤثرة .. إلا ماندر طبعاً ، فبعض المهندسين لهم حضور وشخصية أقوى من المقاول وحتى المسؤول ربما .. خاصة اذا كان على درجة من العلمية والموثوقية ..

يقول أخي الكبير والذي عمل في الأمارات قبل سقوط النظام مع شركات مقاولات كبيرة ، يقول أن المهندس المشرف يأتي الى الموقع كأنه وزير ، معه مرافقون يحملون رشاشات صبغ ، والعمل الذي لا يعجبه يأمر بوضع علامة X عليه من دون أن يناقشه أحد ..!!
هي دعوة لتعزيز شخصية المهندس في موقع العمل ..