• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : صدفة ولا أحلى .
                          • الكاتب : صالح الطائي .

صدفة ولا أحلى

مهموما تراني ما إن يطول شعر رأسي قليلا لأن ذلك يستوجب مني النزول إلى وسط البلد في هذا الحر المقيت والجلوس بين يدي حلاق ثرثار يعشق توجيه سيل من الأسئلة الشخصية والعامة إلى حد الغثيان.
كنت يومها قد نويت شراء كتاب صدر حديثا للباحث "مثنى حسن مهدي" بعنوان (عالمية مدينة الكوت، قصة الحصار) وفي حسابي أن أنجز مهمتين في آن واحد، ولكن مع كل الأرباح يبقى هم النزول في هذا الحر القاتل يشغل البال.
في معمعة الصراع مع نفسي، أنزل، لا أنزل، صدف أن اتصل بي احد أعز أصدقائي هو المؤرخ الأستاذ رائد السوداني يسألني عن رغبتي بالنزول إلى وسط البلد لقضاء بعض الوقت في الحديث عن مستجدات الوضع العراقي، وهو أمر تعارفنا عليه، فمن ينوي منا النزول يتصل بصاحبه عسى أن يجد له مؤنسا، استحسنت هذه الصدفة وحددنا موعدا للقاء، ولما كان صديقي العزيز يشكو السمنة مثلي فإنه يحبذ التنقل سيرا بخلافي فاستغليت فارق الوقت وذهبت إلى الحلاق الذي جز ما يقدر على الوصول إليه من باقي الشعر المبعثر في فروة رأسي بعد أن مزقته مسيرة السنين شذر مذر، وخرجت من عنده مصدوعا للقاء صديقي وأنا ألعن الحلاقة والحلاقين والروم والبيزنطيين، وبعد تبادل الحديث مع صديقي ساعة من الوقت ودعته وعبرت الشارع لأوقف سيارة أجرة تقلني إلى بيتي، وصادف أن وقوفي كان أمام كشك لبيع الكتب، ولما لاحت السيارة من بعيد وأشرت لها بالوقوف سبقني شاب أخرق فصعد فيها وانطلقت بعيدا، فأزعجتني هذه الصدفة كثيرا. 
كنت أتمتم مع نفسي غضبا حينما خرج من الجانب الآخر للكشك صديقان عزيزان بعمر ولدي الكبير أيمن، أحبهما مثلما أحبه، بعد أن رأياني بالصدفة واقفا، فنسيت أمر السيارة وانشغلت بالحديث معهم ولاسيما وأنهم من عشاق قراءة كتاباتي فكانت صدفة جميلة أن ألتقي المهندسين الشابين الرائعين "رابي" و"علي" وأثناء الحديث سألتهم عن كتاب قصة الحصار فيما إذا كان موجودا لدى صاحب الكشك لأقتنيه، فأكد لي "رابي" وجوده، ونويت أن اشتريه بعد أن انهي حديثي معهم. 
لكن في هذه الأثناء جاء مؤلف الكتاب الأستاذ "مثنى" ماشيا وحينما رآني وقف  وسلم علي وسألني بشكل مباشر وبدون مقدمات: أستاذ لا أتذكر أني أهديتك نسخة من كتابي، اعذر تقصيري وتأخري، سأهديك نسخة منه الآن، وذهب إلى كشك الكتب وجلب لي نسخة من الكتاب الذي كنت أروم شراءه وذيلها بإهداء جميل وقدمها لي هدية، فكانت صدفة أحلى ما تكون. 
في هذه الأثناء سألني أحد الشابين وهو "علي" عن آخر أعمالي؟ فأجبته بأني أكتب بحثا عن أخلاق الحرب عند الإمام علي (ع) مقارنة بها عند النبي الأكرم (ص) وأن مصادر البحث قليلة والعثور عليها متعب بعض الشيء، فانبرى الشاب الثاني "رابي" وأخبرني بأنه يملك كتابا جميلا بعنوان (أخلاق الحرب في الإسلام) للسيد حسين الحسيني وأنه سيقدمه لي هدية للإفادة من محتواه، وسيجلبه إلى بيتي ليلا، فكانت صدفة رائعة.
وحينما ودعتهما على أمل الحصول على سيارة تقلني إلى بيتي توقفت أمامي فجأة سيارة حديثة كان يقودها أحد الأصدقاء الأعزاء هو الباحث الإسلامي محمد محبوبة وفتح الباب لي فصعدت معه إلى السيارة، وفي الطريق كان هواء المكيف يبعث النشوة في نفسي، وكانت الصدف الجميلة تعيد ترتيب نفسها في عقلي، وتبعث الدفء في روحي، فكم هي لذيذة الصدف حينما تتكرر بهذا الشكل الرائع وهذا الجمال الأخاذ في بلد مات فيه الجمال مذبوحا وأدمن أهله صدف سماع المتفجرات والمفخخات التي طالما صادف انفجارها مرورهم قربها لتضيع الصدفة بعيش يوم آخر في عالم النسيان.
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=18190
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 06 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14