أنّ طول القراءة لا يعتبر عذراً للوقف قبل تمام الكلام عندما يكون القارئ قادرا على الاستمرار بنفسه بل ينبغي للقارئ أن يقف حيث يضيق نفسه، ثم يبتدئ من أول الكلام ويصل بعضه ببعض حتّى يقف على موضع يسوغ الوقف عليه. والنحويون يكرهون الوقف الناقص مع إمكان التامّ. لذلك وجود علامة جواز الوقف يجعل القارئ يقدر وقوفه في المكان المناسب ويتحكم على نفسه استنادا إلى ذلك كما في الآيات المباركة التالية من سورة الانعام "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ (ج: جواز الوقف) مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ (ج: جواز الوقف) ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ" (الانعام 38)، و "فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا (ج: جواز الوقف) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (الانعام 45)، و "قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ (ج: جواز الوقف) قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (ج: جواز الوقف) أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ" (الانعام 50).
تكملة للحلقة السابقة أحيانا توجد علامة (صلى) في الآية التي توجد فيها علامة (ج) كما قال الله عز وجل في سورة الانعام "قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ (ج: جواز الوقف) مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ (ج: جواز الوقف) إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ (صلى: الوصل اولى مع جواز الوقف) يَقُصُّ الْحَقَّ (صلى: الوصل اولى مع جواز الوقف) وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ" (الانعام 57)، و "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ (صلى: الوصل اولى مع جواز الوقف) وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ (صلى: الوصل اولى مع جواز الوقف) قَوْلُهُ الْحَقُّ (ج: جواز الوقف) وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّور (ج: جواز الوقف)ِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ (ج: جواز الوقف) وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ" (الانعام 73)، و "وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا (ج: جواز الوقف) فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ (صلى: الوصل اولى مع جواز الوقف) إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (الانعام 81)
الوقف الاختباري هو لاختبار تلميذ من قبل معلمه للوقف على كلمة ليختبره في حكمها من قطع أو وصل أو إثبات أو حذفٍ كما في كلمة "اَيْدِي" من قوله تعالى "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ" (الروم 41)، و "فَعَجَّلَ لَكُمْ هَٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ" (الفتح 20)، و "وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي" (ص 45)، و "يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ" (الحشر 2)، و "بِأَيْدِي سَفَرَةٍ" (عبس 5) فيوقف عليها بالإثبات. أمّا في قوله تعالى "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ" (ص 17)، و "وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" (الذاريات 47) فيوقف عليها بالحذف. أو وقفه على كلمة بالتاء أو بالهاء كما في كلمة "وَامْرَأَتَ" من قوله تعالى "إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ" (ال عمران 35)، و "وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ" (يوسف 30)، و "قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ" (يوسف 51)، و "وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ" (القصص 9)، و "اِمْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ" (التحريم 10)، و "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ" (التحريم 11) فيوقف عليها بالتاء المبسوطة. أما في قوله تعالى "وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ" (النساء 12)، و "وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ" (النساء 128)، و "إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ" (النمل 23)، و "وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً" (الاحزاب 50) فيوقف بالهاء لان التاء قصيرة. ويسمى هذا الوقف اختبارياً وذلك لتعليم متعلّم ولأنّه ليس محل وقف عادة. ويجوز الوقف على أن يعود إلى الكلمة التي وقف عليها فيبدأ بها ويصلها بما بعدها إن صلح البدء بها وإلاّ بدأ من كلمة قبلها من الكلمات التي يصحّ البدء به. ومن الأمثلة على الوقف الاختياري من سورة الانعام "وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُو (ج: جواز الوقف)َ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (ج: جواز الوقف) وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" (الانعام 59)، و "ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ (ج: جواز الوقف) أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ" (الانعام 62)، و "وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ (ج: جواز الوقف) قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ" (الانعام 66)، و "لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرّ (ج: جواز الوقف)ٌ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" (الانعام 67)، و "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ (ج: جواز الوقف) وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" (الانعام 68).
أهمية الوقف والابتداء في القرآن الكريم: لمّا لم يمكن للقارئ أن يقرأ السورة أو القصة أو بعض الآيات في نَفَس واحد ولم يجز التنفس بين كلمتين حالة الوصل، كالتنفّس في أثناء الكلمة، وجب حينئذٍ اختيار وقف للتنفّس والاستراحة وتعيّن ارتضاء الابتداء بعد التنفّس والاستراحة وتحتّم أن لا يكون ذلك ممّا يخلّ بالمعنى ولا يخلّ بالفهم إذ بذلك يظهر الإعجاز ويحصل القصد. قال الله جلت قدرته في محكم كتابه العزيز من سورة الانعام "وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ (ج: جواز الوقف) نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ (ج: جواز الوقف) إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ" (الانعام 83)، و "وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا (ج: جواز الوقف) وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ" (الانعام 86)، و "ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ (ج: جواز الوقف) وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الانعام 88).
|