دراسة شخصية الإمام علي عليه السلام بأطر معاصرة توسع قنوات الانتماء الإنساني وتفتح مدارك المتلقي، وكتاب الإمام علي في الفكر المسيحي عند الأدباء والمؤرخين (جورج جرداق / بولس سلامة / سليمان كتاني) للأستاذ صباح محسن كاظم، لا تسعى إلى تقييم المنجز بل تبحث في مسلكين مهمين،
(الاول الممارسة الإبداعية لهؤلاء الكتاب)
وجوهرها التفرد والتميز في مجال الأعمال ذات الهوية الدينية والبلاغية ومنهج الأمام علي عليه السلام موسوعة متكاملة حسب تشخيص الأستاذ صباح في مقدمته التي يرى فيها (إن تأثر الرموز الأدبية المسيحية بفكر وعدل وعلم الإمام علي السلام وهو الذي أوجد هذه الدراسة البحثية التي تكشف عن اهتمام المفكرين من خارج الهوية الإسلامية، ومنهم الأدباء والمفكرين المسيحين الذين شكلوا مدرسة منهجها القيم الإنسانية، متأثرين بتطور الفكر الديني عند الإمام علي في العلم والعدل والرؤية الوثابة، الساعية لتحقيق العدالة الاجتماعية)، لا ينحصر الأمر بهؤلاء المفكرين الثلاثة، الكاتب صباح محسن كاظم له دراسات سابقة في فكر انطوان بارا ومعه لقاءات ومحاورات شهدت بعضها فكان يشخص الأمور برؤى إسلامية، وكتب عن ميخائيل نعيمة وشبلي شميل وجرجي زيدان وميشيل كعدة وأدمون رزق وجورج شكور، كتبوا عن معجزة ولادة الإمام علي عليه السلام، عرض البحث مسائل في غاية الأهمية بأسلوبه التحليلي، فيما يخص إنسانية الرمز المقدس في روحية الإمام علي عليه السلام، معتبرا كل مشترك روحي واخلاقي وتربوي، بالبشرية هو ليس لدين دون آخر، بل رسالة إنسانية شاملة، وركز الباحث على البؤر الجوهرية التي هي عبارة عن ومضات فكرية تنشط عملية التلقي، فهم السياسة عند المبدعين الإنسانيين، هي الحنو والرأفة والشفقة والعدل والاحسان، وبالمقابل اكتسب التحريف سمات تاريخية، وهو نتاج عهود وأزمة وإعلام وسلطة، فأوجدت لنا انماط فكرية شكلت ظاهرة سلبية ومفاهيم سياسية فسرت جميع المفاهيم الدينية بنظرة سلطوية،
والمسلك الثاني هو
(دراسة الواقع التاريخي)
من خلال التركيز على البؤر الجوهرية، ومضات تظهر نتانة التأريخ، وترسخ القيم الوجدانية في شخصية الإمام علي عليه السلام (إن الذين اعترضوا على الإمام علي عليه السلام أرادوا من علي إن يكون معاوية بن أبي سفيان ويأبى علي أمير المؤمنين سلام الله عليه الا أن يكون عليا) الأحداث التاريخية لا بد أن تقرأ بعيدا عن الإسقاطات السياسية التي حولت الدور التخريبي إلى إصلاحي، وجحود الإمام علي عليه السلام هو نهج سفياني بغيض فيقرأ لنا الباحث عن نماذج السلب من إعداء الإمام عليه السلام ليمنحنا المضامين المرسومة لهذا العداء، وفي الجانب الآخر بنى فكرية متماسكة ومتلاحمة ومسعى تأسيس معرفي فكري وأخلاقي، في رحاب أمير المؤمنين والوقوف على مقومات هذا العهد سنجد هناك قاعدة أخلاقية ترفض خيانة الأمانة والمجتمع ووصاياه عليه السلام فصار السرد التاريخي بمزايا التحليل النفسي والطريقة القويمة جعل الارتقاء إلى مقومات الحضور وسمات الأفكار والانفعالات وكان البحث الحر لدراسة المضامين النفسية لأعداء الإمام من جهة وانصار الإمام من جهة أخرى، استثمر العلاقة بين التأريخ والأدب وعلم النفس، مثل إقامة العدل وتوفير تكافؤ الفرص بإيجاد المعالجات بإصلاح الأراضي وقنوات الري والزراعة، أراها تعني استصلاح النفوس، العالم المثقف يبحث عن عمق الحكمة وسمة الفكر العلوي أنها وجدان الحكمة، معظم المفكرين يحترم رؤية الإمام بالعدل ورفض الظلم، يرى أهل الفكر أن الكتابة عن شخصية تاريخية مقدسة هي مضمون من مضامين التأثر في جوهر الفضيلة، الكتابة عن أمير المؤمنين هي إزاحة كنائية للتمثيل الأسمى لهذه الشخصية، و الدلالة الواعية تكمن في فهم معنى ما افتقدناه في غياب الإمام، الباحث صباح محسن كاظم شخص لنا مسألة مهمة وهي أن العصمة ليست بسياق النزاهة في الحكم أو الترفع عن المال بل النزاهة في كل فكرة وفي كل عاطفة وفي كل الشؤون والنزاهة، العبارات الحية في التدوين البحثي تعبر عن الدلالة.
وفي مقدمته للفصل الثالث والذي خصصه عن الكتاب والأدباء المسيحين، شخص جمالية التدوين عند هؤلاء الكتاب لكونهم تجردوا من العاطفة التي نقف مع أو ضد، تميزت مؤلفاتهم بالتحليل العميق لا بالوصف المتكرر، وأدراك نهج الإمام جمع الأوجه لذلك كان عطاء جورج جرداق مؤلفات (علي وعصره / الامام علي وحقوق الانسان / الامام علي وسقراط / الامام علي والثورة الفرنسية / الامام علي والقومية العربية) وكتب عن شخصية أمير المؤمنين بكافة أبعادها الإنسانية وتأثيرها على العرب والعالم.
وشخص لنا الباحث رؤية جورج جرداق في استقصاء لسيرة أمير المؤمنين من الولادة إلى الشهادة، بصورة أدبية مفعمة بالأعجاب وتقمص تلك السيرة برؤية معاصرة، الرؤية الجمالية تعبر عن ذات الكاتب وثقافته، وهذه الثقافة عند جرداق تنظر إلى التقارب الروحي بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام، بما قال النبي لعلي عليه السلام ، إن فيك شبها من عيسى بن مريم وجعل هذا الاستشهاد مدخلا للبحث عن قيم هذه المقاربة، وهؤلاء الأدباء الذين اختارهم لنا الباحث صباح محسن كاظم هم عبروا عن قداسة الإمام خير تعبير، وتحدث عند ملحمة الغدير عند بولس سلامة والأدب العربي، ويرى أن النصوص الشعرية التي جسدت حالات الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام هي التي مثلت هويتهم الأدبية والفكرية، اعتمد البحث على المنهج الاستقرائي فتميز بقراءة موفقة.
|