• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : البعث و يبعثون و بعثنا في القرآن الكريم (ح 4) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

البعث و يبعثون و بعثنا في القرآن الكريم (ح 4)

تكملة للحلقات السابقة قال الله سبحانه وتعالى عن البعث "لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿100 المؤمنون﴾ لعلي أستدرك ما ضيَّعْتُ من الإيمان والطاعة. ليس له ذلك، فلا يجاب إلى ما طلب ولا يُمْهَل. فإنما هي كلمة هو قائلها قولا لا ينفعه، وهو فيه غير صادق، فلو رُدَّ إلى الدنيا لعاد إلى ما نُهي عنه، وسيبقى المتوفَّون في الحاجز والبَرْزخ الذي بين الدنيا والآخرة إلى يوم البعث والنشور، و "وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا" ﴿الفرقان 51﴾ لَبَعَثْنَا: لَ لام التوكيد، بَعَثْ فعل، نَا ضمير، ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا، يدعوهم إلى الله عز وجل، وينذرهم عذابه، ولكنا جعلناك أيها الرسول مبعوثًا إلى جميع أهل الأرض، وأمرناك أن تبلغهم هذا القرآن، فلا تطع الكافرين في ترك شيء مما أرسلتَ به، بل ابذل جهدك في تبليغ الرسالة، وجاهد الكافرين بهذا القرآن جهادًا كبيرًا، لا يخالطه فتور، و "قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ" ﴿الشعراء 36﴾ وَابْعَثْ: وَ حرف عطف، ابْعَثْ فعل، قال له قومه: أخِّر أمر موسى وهارون، وأرسِلْ في المدائن جندًا جامعين للسحرة، يأتوك بكلِّ مَن أجاد السحر، وتفوَّق في معرفته، و "وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ" ﴿الشعراء 87﴾ ولا تُلْحق بي الذل، يوم يخرج الناس من القبور للحساب والجزاء، يوم لا ينفع المال والبنون أحدًا من العباد، إلا مَن أتى الله بقلب سليم من الكفر والنفاق والرذيلة، و "قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ" ﴿النمل 65﴾ قل أيها الرسول لهم: لا يعلم أحد في السموات ولا في الأرض ما استأثر الله بعلمه من المغيَّبات، ولا يدرون متى هم مبعوثون مِن قبورهم عند قيام الساعة؟ و "وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ" ﴿القصص 59﴾ وما كان ربك أيها الرسول مهلك القرى التي حول مكة في زمانك حتى يبعث في أمها وهي مكة رسولا يتلو عليهم آياتنا، وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون لأنفسهم بكفرهم بالله ومعصيته، فهم بذلك مستحقون للعقوبة والنكال، و "وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَـٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" ﴿الروم 56﴾ وقال الذين أوتوا العلم والإيمان بالله من الملائكة والأنبياء والمؤمنين: لقد مكثتم فيما كتب الله مما سبق في علمه من يوم خُلقتم إلى أن بُعثتم، فهذا يوم البعث، ولكنكم كنتم لا تعلمون، فأنكرتموه في الدنيا، وكذَّبتم به، و "مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ" ﴿لقمان 28﴾ ما خَلْقُكم أيها الناس ولا بَعْثُكم يوم القيامة في السهولة واليسر إلا كخَلْق نفس واحدة وبَعْثها، إن الله سميع لأقوالكم، بصير بأعمالكم، وسيجازيكم عليها.
عن الامثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى‌ قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى‌ عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى‌ طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلى‌ حِمارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ" (البقرة 259) التّفسير: قصة عزير العجيبة: جاءت هذه الآية معطوفة على الآية السابقة و تقصّ حكاية أحد الأنبياء القدامى، و هي من الشواهد الحيّة على مسألة البعث. و قد دارت الآيات السابقة التي استعرضت الحوار بين إبراهيم عليه السّلام و النمرود حول التوحيد و معرفة اللّه. أمّا هذه الآية و الآيات التالية فتدور حول المعاد و الحياة بعد الموت. نبدأ بشرح‌ الحكاية بصورة مجملة ثمّ نباشر بالتفسير. الآية تشير إلى حكاية رجل سافر على حماره و معه طعام و شراب، فمرّ بقرية قد تهدّمت و تحوّلت إلى انقاض تتخلّلها عظام أهاليها النخرة. و إذ رأى هذا المشهد المروع قال: كيف يقدر اللّه على إحياء هؤلاء الأموات؟ لم يكن تساؤله بالطبع من باب الشكّ و الإنكار، بل كان من باب التعجّب، إذ أنّ القرائن الأخرى في الآية تدلّ على أنّه كان أحد الأنبياء، و قد تحدّث إليه اللّه، كما أنّ الأحاديث تؤيّد هذا كما سيأتي. عند ذلك أماته اللّه مدة مائة سنة، ثمّ أحياه مرّة اخرى و سأله: كم تظنّ أنّك بقيت في هذه الصحراء؟ فقال و هو يحسب أنّه بقي سويعات: يوما أو أقل، فخاطبه اللّه بقوله: بل بقيت هنا مائة سنة، انظر كيف أنّ طعامك و شرابك طوال هذه المدّة لم يصبه أي تغيّر بإذن اللّه. و لكن لكي تؤمن بأنك قد أمضيت مائة سنة كاملة هنا انظر إلى حمارك الذي تلاشى و لم يبق منه شي‌ء بموجب نواميس الطبيعة، بخلاف طعامك و شرابك، ثمّ انظر كيف إنّنا نجمع أعضاءه و نحييه مرّة اخرى. فعند ما رأى كلّ هذه الأمور أمامه قال: "أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ" (البقرة 259)، أي: إنني الآن على يقين بعد أن رأيت البعث بصورة مجسّمة أمامي.
جاء في الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" (الجمعة 2)، الأميون جمع أمي وهو الذي لا يقرأ ولا يكتب ، والمراد بهم كما قيل العرب لقلة من كان منهم يقرأ ويكتب وقد كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله منهم أي من جنسهم وهو غير كونه مرسلا إليهم فقد كان منهم وكان مرسلا إلى الناس كافة. واحتمل أن يكون المراد بالأميين غير أهل الكتاب كما قال اليهود على ما حكى الله عنهم "لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ" (آل عمران 75). وفيه أنه لا يناسب قوله في ذيل الآية "يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" (الجمعة 2) ، فإنه صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله لم يخص غير العرب وغير أهل الكتاب بشيء من الدعوة لم يلقه إليهم. واحتمل أن يكون المراد بالأميين أهل مكة لكونهم يسمونها أم القرى. وفيه أنه لا يناسب كون السورة مدنية لإيهامه كون ضمير "يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ" (الجمعة 2) راجعا إلى المهاجرين ومن أسلم من أهل مكة بعد الفتح وأخلافهم وهو بعيد من مذاق القرآن. ولا منافاة بين كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله من الأميين مبعوثا فيهم وبين كونه مبعوثا إليهم وإلى غيرهم وهو ظاهر ، وتلاوته عليهم آياته وتزكيته وتعليمه لهم الكتاب والحكمة لنزوله بلغتهم وهو أول مراحل دعوته ولذا لما استقرت الدعوة بعض الاستقرار أخذ صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله يدعو اليهود والنصارى والمجوس وكاتب العظماء والملوك. قوله تعالى "وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ" (ال عمران 49) ظاهره أنه عليه‌لسلام كان مبعوثاً إلى بني إسرائيل خاصة كما هو اللائح من الآيات في حق موسى عليه‌لسلام ، وقد مر في الكلام على النبوة في ذيل قوله تعالى "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ" (البقرة 213)، أن عيسى عليه ‌السلام كموسى من أُولي العزم وهم مبعوثون إلى أهل الدنيا كافة. لكن العقدة تنحل بما ذكرناه هناك في الفرق بين الرسول والنبي أن النبوة هي منصب البعث والتبليغ ، والرسالة هي السفارة الخاصة التي تستتبع الحكم والقضاء بالحق بين الناس، إما بالبقاء والنعمة، أو بالهلاك كما يفيده قوله تعالى "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ" (يونس 47). وبعبارة اخرى النبي هو الإنسان المبعوث لبيان الدين للناس، والرسول هو المبعوث لاداء بيان خاص يستتبع رده الهلاك وقبوله البقاء والسعادة كما يؤيده بل يدل عليه ما حكاه الله سبحانه من مخاطبات الرسل لأممهم كنوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم عليهم‌ السلام. وإذا كان كذلك لم يستلزم الرسالة إلى قوم خاص البعثة إليهم وكان من الممكن أن يكون الرسول إلى قوم خاص نبياً مبعوثاً إليهم وإلى غيرهم كموسى وعيسى عليهما‌ السلام.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=178651
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 02 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12