شق مستطيل عميق يسمى (مرحاض ) في البيت الشرقي الطراز .
تزحلق الطفل في غفلة ولعه بالنظر إلى قطعة الحجر المرصوفة في زاوية الجدار السفلية .
شجّت جبهته .
لم يئن رغم نتانة المكان .
كبـُر ، وبعد وفاة أبيه وأمه قرّر الورثة هدم الدار .
سخروا منه حين طلب المرحاض حصة ً .
إحتضن الحجر وفارقهم ، عرّضه للشمس لتزول رطوبته وتتشتت رائحة البول والغائط منه .
وضعه بالقرب من رأسه عند سريره ، ولا يرقد إذا لم يلق عليه نظرة عاشق .
عاد يوما ً من مختبره الذي يدرس فيه الكيمياء فلم يجده .
الخادمة رمته مع الأزبال ، هرع إلى مكبّ نفايات المدينة .
رأى الصبية يبحثون عن بقايا طعام فاض من وليمة سارق لقوت الفقراء.
إمرأة تتشاجر مع أخرى لاكتشافها فخذ لحم كامل لخروف لم يمسه ضيوف المأدبة المقامة لتحسين ظروف الشغيلة .
عدد من الألبسة الداخلية النسائية الشفافة التصق بها الوحل بسهولة لوجود سوائل لزجة سميكة القوام ماتزال رطبة .
طفل صغير ينفخ في شيء حسبه بالونا ً ولم يكن سوى ( الكوندم ) .
غرفة من القصدير والورق المقوّى أتخذتها أرملة مع أطفالها منزلا ً .
بيت قصبي من ( البردي ) عليه لافتة تقول : مدرسة الإخلاص الإبتدائية .
معلمها الوحيد مع طلبتة الممزقة ثيابهم يهرعون من الصف كلما سمعوا صوت عربة الأزبال يمخر في الأمعاء .
سألهم إذا ما رأوه .
- هو هناك ، عليه بصاق مصدور.
أعاده لبيته وبلين مسحه بقطعة قماش رقيقة ، وفي اليوم الثاني أحضر قارورة سائل من مختبره وراح يمسحه ثانية .
من بين الحروف الغريبة على الحجر سمع صوتا ً .
- لا تخف ...إمسحه لن أ ُحرق .
برزت غانية عارية لم يُر مثلها في البشر .
- من أنت ؟
- أنا التي ولدتكم .
- لـِم َبطنك منتفخة ؟
- ماءك ينمو في أحشائي ،حبلى بك .
- بي ......أنا أمامك ؟
- خارجي وداخلي ، أمامي وفي رحمي .
- كيف ؟
- لا هذا لا يعيه لبّك ،إلآ عندما تبصر الأسرار وتعرف الخفايا المكتومة ، وسألدك حينما ينبت بقل الثديين ، راقبهما ، حين تجد أنهما تكوّرا كعذق النخلة ، وانتفخا حينها سألدك وأرضعك منهما حليبا ً طهورا ً ، وحين تنضج أفطمك وعند بلوغك أشدّك أتزوجك .
- أتتزوجين ولدك ؟
- بلى ، كل أزواجي هم أولادي ، ولدت ألف مرة وتزوجتهم جميعا ً ، أنا كدائرة لا ابتداء لها ولا انتهاء.
لكن لي شرط أن تمهرني مهرا ً يليق بأمك التي ولدتك وأرضعتك .
إذهب إلى جذع الدوحة العظيمة التي جلبها جلجامش من غابة الأرز ، واصنع منه بابا ً وحين تتمه ستجدني أنتظرك وقد غسلت جسدي في الفرات ، ولبست أحلى حللي ، وأرسلت جدائلي على كتفي ّ، ودهنته بزيت اللوز والزيتون ، وتدخل مخدعي فتشم في جسدي عبق البخور .
- وتفعلين هذا منذ الأزل؟
- مذ شقت للبشر عيون وفتق رتق العقول ، مذ تحركت القوى الفاعلة ، مذ التصقت السماء بالأرض ثانية ، مذ اغتسلت بالماء الفرات .
- ولم الباب لتستري عُريك.
- لا .. لا .. أحرى بجلجامش أن يستتر دون الفواحش ، يسرق العذراوات ويضاجعهن قبل عرسهن .
طرق باب منزله بعنف .
أزلام السلطان ، فاختفت عائدة إلى الحجر ، وغلق القارورة ودسها في جلبابه .
في قاعة العرش ، والحاشية والوعاظ والجند والشرطة يحيطون به
- سرقت الحجر من خزائن السلطان ، ولا نعلم ما عبثت به ؟ وهو التميمة لبقاء الملك الذي وهبه الله له دون الخلق .
- هذا الحجر ناطق ، دعه يقول : عاش السلطان الوحيد الذي يستطيع بناء ما خربّه الطغاة .
برزت الغانية من الحجر فبهت السلطان
- لا ...لن يكذب من نما في حشاي .
- خذوها إلى المخدع ، سأعلقه في جذوع النخل ، وسأضاجعك لحين يعشعش الطير في صدر ولدك .
- حتى لو قتلته ، روح الحجر ستقتلك قهرا ً .
- ألآن أنا مالكه .
- لا ..أنت سارقه ، ولن يستجيب لك أبدا ً.
أخرج القارورة من جلبابه ، وسكبها في جوفه فأسلم الروح .
إبتسمت الغانية .
صرخ السلطان
- أتبتسمين لرؤية الموتى ؟
- لا تخف ... سألد مثله ملايينا ً .
- أمسكوها ، كبّلوها ،
سرعان ما نبتت لها أجنحة خفقت ، وطارت في الفضاء .
- إرموها بالحجر ، بالرماح ، بالنبل ، بالرصاص ، بالقذائف ، لتنطلق خلفها تنانين الهلع ، الحيّات الخبيثة ، الكلاب المسعورة .
يرمون شرقا ً فتظهر غربا ً ، يستديرون غربا ً فتظهر شرقا ً ، وهي تقهقه
- تا الله قد علم الناس غباءكم . |