قال الله تعالى عن المعقب "لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ" (الرعد 11﴾ معقبات اسم، لَهُ مُعَقِّباتٌ: ملائكة تحرسه و تتعقبه بالليل و النهار، لله تعالى ملائكة يتعاقبون على الإنسان من بين يديه ومن خلفه، يحفظونه بأمر الله ويحصون ما يصدر عنه من خير أو شر، و "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ" ﴿الرعد 41﴾ معقب اسم، لا معقب: لا مغيّر، أو لا رادّ ولا مبطل له، أو لا متتبع له، أولم يبصر هؤلاء الكفار أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها، وذلك بفتح المسلمين بلاد المشركين وإلحاقها ببلاد المسلمين؟ والله سبحانه يحكم لا معقِّب لحكمه وقضائه، وهو سريع الحساب، فلا يستعجلوا بالعذاب؛ فإن كل آت قريب.
جاء في التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: قوله تعالى "لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ" (الرعد 11) والضمير في لَهُ يعود إلى مِنْ في قوله مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ، وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ باعتبار تأويله بالمذكور. و "مُعَقِّباتٌ" صفة لموصوف محذوف أى: ملائكة معقبات. قال الشوكانى: «والمعقبات المتناوبات التي يخلف كل واحد منها صاحبه ويكون بدلا منه. وهم الحفظة من الملائكة في قول عامة المفسرين. قال الزجاج: المعقبات ملائكة يأتى بعضهم بعقب بعض، وإنما قال "مُعَقِّباتٌ" مع كون الملائكة ذكورا لأن الجماعة من الملائكة يقال لها معقبة، ثم جمع معقبة على معقبات. قال الجوهري: والتعقب العود بعد البدء قال الله تعالى "وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ" (النمل 10). يقال: عقب الفرس في عدوه، أى: جرى بعد جريه. وعقبه تعقيبا. أى: جاء عقبه. و "مِنْ" في قوله "مِنْ أَمْرِ اللَّهِ" (الرعد 11)ِ بمعنى باء السببية. والمعنى: لكل واحد من هؤلاء المذكورين ممن يسرون القول أو يجهرون به، ملائكة يتعاقبون عليه بالليل والنهار ويحيطون به من جميع جوانبه لحفظه ورعايته، ولكتابة أقواله وأعماله، وهذا التعقيب والحفظ، إنما هو بسبب أمر الله تعالى لهم بذلك.
جاء في بحار الأنوار للعلامة المجلسي: رويت في تاريخ نيشابور في ترجمة رجاء بن عبد الرحيم أن النبي صلى الله عليه وآله قال: معقبات وذكر نحوه. رواه العامة، عن شعبة، عن الحكم بن عيينة، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة مثله إلا أنهم قدموا في روايتهم التسبيح على التحميد، و التحميد على التكبير، ولذا قالوا بهذا الترتيب، قال في شرح السنة أخرجه مسلم، وقوله معقبات يريد هذه التسبيحات سميت معقبات لأنها عادت مرة بعد مرة، والتعقيب أن تعمل عملا ثم تعود إليه، وقوله "وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ" (النمل 10) أي لم يرجع. وقال الابي في إكمال الاكمال: معناه تسبيحات تفعل أعقاب الصلاة، وقيل سميت معقبات لأنها تفعل مرة بعد أخرى، وقوله تعالى: "لَهُ مُعَقِّبَاتٌ" (الرعد 11) أي ملائكة يعقب بعضها بعضا. وفي النهاية: سميت "مُعَقِّبَاتٌ" لأنها عادت مرة بعد مرة، أو لأنها يقال عقيب الصلاة والمعقب من كل شئ ما جاء عقيب ما قبله. عن سعد السعود: رواه من كتاب قصص القرآن للهيصم بن محمد النيسابوري قال: دخل عثمان على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : أخبرني عن العبد كم معه من ملك؟ قال : ملك على يمينك على حسناتك، وواحد على الشمال، فإذا عملت حسنة كتب عشرا، وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين أكتب؟ قال : لعله يستغفر ويتوب فإذا قال ثلاثا قال: نعم اكتب، أراحنا الله منه فبئس القرين، ما أقل مراقبته لله عزوجل. وما أقل استحياؤه منه يقول الله : "مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (ق 18) وملكان بين يديك ومن خلفك يقول الله سبحانه: "لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ" (الرعد 11﴾ وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك، وإذا تجبرت على الله وضعك وفضحك، وملكان على شفتيك ليس يحفظان إلا الصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وملك قائم على فيك لا يدع أن تدخل الحية في فيك، وملكان على عينيك، فهذه عشرة أملاك على كل آدمي، وملائكة الليل سوى ملائكة النهار، فهؤلاء عشرون ملكا على كل آدمي، وإبليس بالنهار وولده بالليل، قال الله تعالى: "وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ" (الانفطار 10). وقال عزوجل: "إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ" (ق 17). ثم قال السيد رحمه الله : واعلم أن الله عزوجل وكل بكل إنسان ملكين يكتبان عليه الخير والشر. ووردت الاخبار بأنه يأتيه ملكان بالنهار وملكان بالليل ، وذلك قوله تعالى: "لَهُ مُعَقِّبَاتٌ" (الرعد 11) لانهم يتعاقبون ليلا ونهارا ، وإن ملكي النهار يأتيانه إذا انفجر الصبح فيكتبان ما يعمله إلى غروب الشمس ، فإذا غربت نزل إليه الملكان الموكلان بكتابة الليل، ويصعد الملكان الكاتبان بالنهار بديوانه إلى الله عزوجل فلا يزال ذلك دأبهم إلى حضور أجله، فاذا حضر أجله قالا للرجل الصالح: جزاك الله من صاحب عنا خيرا، فكم من عمل صالح أريتناه، وكم من قول حسن أسمعتناه، وكم من مجلس حسن أحضرتناه ، فنحن لك اليوم على ما تحبه، وشفعاء إلى ربك، وإن كان عاصيا قالا له: جزاك الله من صاحب عنا شرا، فلقد كنت تؤذينا، فكم من عمل سيئ أريتناه، وكم من قوى سيئ أسمعتناه، وكم من مجلس سوء أحضرتناه، ونحن لك اليوم على ما تكره. وشهيدان عند ربك. وفي رواية أنهما إذا إراد النزول صباحا ومساءا نسخ لهما إسرافيل عمل العبد من اللوح المحفوظ فيعطيهما ذلك، فإذا صعدا صباحا ومساءا بديوان العبد قابله إسرافيل بالنسخة التي نسخ لهما حتى يظهر أنه كان كما نسخ لهما. وعن ابن مسعود أنه قال : الملكان يكتبان أعمال العلانية في ديوان و أعمال السر في ديوان آخر. عن أبى بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن المؤمن ليهم بالحسنة ولا يعمل بها فتكتب له حسنة، فإن هو عملها كتبت له عشر حسنات، وإن المؤمن ليهم بالسيئة أن يعملها فلا يعملها فلا تكتب عليه.
|