المنهجُ العام للشيعةِ زمنَ الغيبة
نعتقدُ أنّ المعصومَ (عليه السلام) عمومًا يهدفُ إلى هدايةِ الناس إلى الدّين القويم، وأنّه لا يتركهم من دونِ أنْ يضعَ لهم المنهجَ الذي يسيرون عليه ويهتدون بهديه.
والإمامُ المهدي (عجّل الله (تعالى) فرجه) لم يخرجْ عن هذا الخطِّ العام، فهو لم يتركْ شيعتَه من دونِ أنْ يضعَ لهم ما يخرجون به من الحيرةِ زمنَ غيبته، وما يُنجّيهم في الآخرة أيضًا.
ويمكنُ تنقيطُ المنهج العام لما وضعه الإمام المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) لشيعته زمنَ غيبته بالتالي:
أولًا: تكذيبُ مدّعي السفارةِ العامةِ بعدَ السفير الرابع:
طبقًا للتوقيعِ الأخير الذي صدرَ منه (عجل الله (تعالى) فرجه) لسفيره الرابع، والذي نصّه:
بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري، أعظمَ اللهُ أجرَ إخوانِك فيك، فإنّك ميتٌ ما بينك وبين ستة أيام، فاجمعْ أمرك ولا توصِ إلى أحدٍ يقومُ مقامَك بعدَ وفاتك، فقد وقعتِ الغيبةُ الثانية، فلا ظهورَ إلا بعدَ إذنِ الله (عز وجل)، وذلك بعد طولِ الأمدِ وقسوةِ القلوب، وامتلاءِ الأرضِ جورًا، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبلَ خروجِ السفياني والصيحةِ فهو كاذبٌ مُفترٍ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم
ثانيًا: الرجوعُ إلى الفقهاء العارفين بحديثِ أهلِ البيت (عليهم السلام):
طبقًا لما رويَ عنه (عجل الله (تعالى) فرجه) من قوله: "وأمّا الحوادثُ الواقعةُ فارجعوا فيها إلى رواةِ حديثنا؛ فإنّهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله عليكم"
وهذا أمرٌ قد أسّسَ له الأئمةُ (عليهم السلام) من قبله، فقد رويَ عن الإمامِ العسكري (عليه السلام) أنّه قال: "فأمّا من كانَ من الفقهاء، صائنًا لنفسه، حافظًا لدينه، مُخالفًا على هواه، مُطيعًا لأمرِ مولاه، فللعوامِ أنْ يُقلّدوه، وذلك لا يكونُ إلا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم"
وعن الإمامِ الهادي (عليه السلام) قال: "لولا من يبقى بعد غيبةِ قائمكم (عليه السلام) من العلماء الدّاعين إليه، والدّالين عليه، والذّابين عن دينه بحججِ اللهِ، والمُنقذين لضعفاءِ عبادِ الله من شباكِ إبليس ومردته، ومن فخاخِ النواصب، لما بقيَ أحدٌ إلا ارتدَّ عن دينِ الله، ولكنّهم الذين يُمسِكون أزِمّةَ قلوبِ ضعفاء الشيعة كما يُمسِكُ صاحبُ السفينةِ سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله (عز وجل)"
ثالثًا: تنظيم المنهج الأخلاقي:
هناك منهجُ أخلاقي وتربوي مًتكاملُ وضعه الإمامً (عجل الله (تعالى) فرجه): تبعًا لتعليماتَ القرآنَ الكريم وأحاديثِ المعصومين (عليهم السلام)، الذي يُمكِنُ تلخصيه بالتالي:
ألف: العمل وفقَ المنهجِ العام للتشيُّع، الذي ينتقلُ فيه المؤمنُ من إرضاءِ أهلِ البيت (عليهم السلام) إلى إرضاءِ اللهِ (تعالى)، تطبيقًا لقاعدةِ: (رضا الله رضانا أهل البيت).
وفي ذلك يقولُ الإمامُ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) في مكاتبتِه إلى الشيخ المفيد: "فليعملْ كُلُّ امرئٍ منكم بما يُقرِّبُ به من محبتنا، ويتجنبُ ما يُدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإنَّ أمرَنا بغتةٌ فجاءة، حين لا تنفعه توبةٌ، ولا يُنجيه من عقابنا ندمٌ على حوبة"
باء: هناك حقيقةٌ واقعيةٌ، خُلاصتها: أنَّ كُلَّ فردٍ له مسؤوليةُ ما في هذا الكون، تتحدّدُ بحدودِ معرفته وموضعه، وقد أشارَ الإمامُ (عجل الله (تعالى) فرجه) في أحدِ الأدعيةِ المنسوبة إليه إلى ما يلزمُ الأفرادَ في ذلك كُلٌّ بحسبه، وخلاصةُ ما يُرادُ من المؤمنين هو التالي:
1- ضبطُ اللسانِ بالصواب ونطقِ الحكمة.
2- الاهتمامُ بالعلمِ والمعرفة.
3- تطهيرُ البطنِ من الحرامِ والشبهة.
4- كفُّ اليدِ عن الظلم والسرقة.
5- غض البصر عن الفجور والخيانة.
6- حبس السمع عن الغيبةِ، وبقيةِ المُحرّمات المسموعة.
7- على العلماءِ أنْ يتصفوا بالزُهدِ بالدنيا، وبالنصيحةِ للعباد.
8- على المُتعلِّمِ أنْ يزيدَ من جهده في التعلُّم، ومن رغبته فيه.
9- على المُستمعِ للعالمِ أنْ يأخذَ الموعظةَ بعينِ الاعتبار، وأنْ يتّبعَ الحق.
10- الدُعاء للمؤمنين، أحياءً وأمواتًا، وكذا الدُعاء للمُجاهدين والأسراء، بل الدعاءُ حتى للمُسافرين والحجاج.
11- على الشيوخِ الكبارِ أنْ يتّسموا بالوقار والسكينة.
12- على الشبابِ أنْ يتوبوا ممّا هم فيه لو كانوا على خطأ، وأنْ يرجعوا إلى بارئهم.
13- على النساءِ أنْ يلتزمْن الحياء، والعفة.
14- على الأغنياء أنْ يتواضعوا لمن هم دونهم، وأنْ لا يجعلوا من المال سببًا للتكبر على الناس، وأنْ يوسّعوا على أنفسهم وعلى إخوانهم ما استطاعوا.
15- على الفقراء أنْ يعيشوا القناعةَ بعدَ أنْ يصبروا على فقرهم.
16- على من يملكُ أمرًا من أمورِ الناس أنْ يكون عادلًا فيهم، شفيقًا عليهم.
17- على الرعية أنْ يكونوا مُنصفين في حكمهم، وأنْ يسلكوا المسالك الحسنة.
فهذا منهجٌ أخلاقيٌ شرعيٌ مُتكامل، ينبغي على المنتظِر أنْ يعملَ على التزام فقراته بدقّة.
|