في وسط ذلك الظلام، وفي ليلة غطى الغيوم القمر والنجوم، جلست خلف مدفئتي النفطية، وقد طرق مسامعي صوت غريب.. آه لعذوبة ذلك الصوت وروعة همسه.. فأنصت قليلاً، والصوت بدأ يزداد شيئاً فشيئاً من تلك الغرفة التي خيم عليها نور السماء.

 اقتربت بهدوء منه، فتبين أنه صوت بكاء لبعض المتوسلين، صوت يرتجي للصوت شوقا قد صدى، صوت بكاء مع دعوات وأذكار: لبيك ربي خالقي في الحال نادى للإله، يا رب العلا اغفر وقرب من رجا للمؤمنين وللمؤمنات إنك سميع الدعاء...
فتحت الباب بهدوء، وجدت الغرفة مظلمة بعض الشيء، فرأيته ساجدا حسبته أنه مريض ويتألم من شدة المرض إلى أن سقط على الأرض.. 
دنوت منه أكثر فأكثر، وإذا به ساجد لربه في آخر الليل، يدعو ويبكي.. أبي.. إنه رجل كبير يعاني من ألم في رأسه وقلبه، ومع ذلك كله لم يقل أنا مريض، ولا أستطيع أن أقوم الليل..!
 ففكرت بحالي، وواسيت نفسي، فأنا في أتم الصحة والحمد لله، ولا أشكو من أي مرض فأعجز عن نفسي بقيام الليل، وهو رجل مسن ومريض ولم يترك القيام للصلاة والقرآن والدعاء في آخر الليل.
فتساءلت مع نفسي: فإذا مت أنا سأسأل عن شبابي كيف أفنيته؟ وعن وقتي اين قضيته؟ فماذا أجيب..؟! في اللعب، في الانترنت، في سماع ما يغضب الرب، في النوم، فماذا اجيب..؟!.
كلماتي تحتاج للتدبر والتأمل، فكم أضعنا وفرطنا.. حتى اغتالنا الوقت.. فـيا حسرة على العباد..!