لم يكن بذي بخل ولا بضفل، ولكنه كريم غير أصل، انه (الكريم مرة واحدة)، فهو يكرم مرة ويبخل (فد مرة) مصطلحات تتوالد عند ابن سيا فساءت مولدا ومحتدا. هو كريم مفرط الكرم ولكنه لا يكرر ولا يستمر، يعطي الفرد ولا يعطيه بعد، ويفرط ويكرر ويتكرر كثيرا في احاديثه الكرمية. انه عراقي آخر له تكراراته الكثيرة، وشعبيته الكبيرة، فأين وجده؟ لقد وجده لانه موجود أصلا، واكتشفه الان وكشف عن سوءته.
لا ينكر ابن سيا ان وقتا أضاعه قضاه حلميا بوجود كريم رحيم عميم حقيقي لا شقيقي.. لم يرد ان يستيقظ منه، ولكنه بتجربته العراقية الطويلة وارتحالاته المهولة فيهم، كان يرى ان عليه وله أن يحلم فقط فليس شيء حقيقي البتة، ولكن لابد أن يستيقظ حتى يقظَّ.
ووقع ما يجب أن يقع، حين استيقظ فوقع، ورأى وسمع، واكتشف وعرف شخصية جديدة هي إحدى السخف، وصار يتحسس بعقله ونفسه ويده مثيلاته في المجتمع الكرماء أولا البخلاء أبدا، وراح ينشد في (أبي حسن الحلي) المثال والدالة على هذه الحالة:
الكرماء مرة واحدةً مثالهم صديقنا أبو حسنْ
الحلة الفيحاء في جمالها قد أنجبت وا عجبا غيرَ حسنْ
إياك أن تصغي الى حديثه ان الاكاذيب بها بلا ثمنْ
وان يكن اعطاك يوما لا تعد اليه... يعطي مرة واحدةً
|