الفاجعة التي يتأجج رمادها لهباً حارقاً كل عام في شهري محرم وصفر، طلباً لثارها ثأر الله الذي صير الموالون انفسهم دروع لحمايته ونصرة السلالة المحمدية، فغدوا نوارس مهاجرة، تحمل اجنحتها رايات الولاء وتنشد لحن المصيبة بكل لغة، لمواساة قلوبهم التي تروم الى ماوراء الخطى وتذرع الطريق خطوة خطوة، تعد ذرات رمله وحصاه، توقاً لرؤية اطياف راية ترفرف عالية في السماء.
الزحف المليوني المقدس الذي يتجه صوب كربلاء كل عام لإحياء اربعينية سيد الشهداء الامام الحسين بن علي ( عليه السلام) دليل على خلود الثورة الحسينية، وانتصار المفاهيم التي جاء بها وخرج من اجلها، واثبت ان واقعة كربلاء كانت ومازالت ثورة على الطغاة والواقع المتردي للأمة وايقاف الممارسات التي تؤدي الى انحراف تعاليم الدين الأسلامي.
عندما نتابع الزحف المليوني الذي انطلق الى كربلاء الشهادة والخلود ندرك مدى نجاح ثورة الامام الحسين ( عليه السلام) في اثارة مشاعر الاباء والتضحية في نفوس المسلمين، فنجح ان يكون منارا ونبراسا للثائرين على مر العصور.
وهاهي الملايين من الناس يسعون الى زيارته اليوم وهم يقتدون بالتضحيات الغالية التي قدمها الحسين ( عليه السلام ).
وخلال المسير وطول الطريق ومشقته، وقبل ان تقر العيون بما تهوى، نرى مواكب العاشقين التي نذرت نفسها لخدمة الحسين ( عليه السلام)، بإكرام زائريه وتقديم الممكن والمستحيل، فمنهم من يحمل حقائب الزائرين ومنهم من يقدم الطعام، وبين هذا وذاك من يدلك قدمي زائر ويبلسم وجعه ويدخله ليستريح تخفيفا عن تعبه طول المسير، واخر يغسل ملابسهم وثالث ينشدهم العزاء ورابع يرتل لهم القرآن.
الكل يعمل بأبتسامة راضية وقلب محب ولسان لهج ب" احنة خدام زوار ابو علي" وكأنما على رؤوسهم تيجان الملك، يجندون انفسهم وعوائلهم واموالهم، هبة للخدمة الحسينية، في مواكب منتشرة على طول طريق المسير خيم سوداء كبيرة، اعمدة وقدور وافرشة وادوية ومصابيح وخدمات اخرى، تمنح للمسافر كل مايحتاجه من زاد السفر الى هيكل القداسة في رحلة الولاء.
فهم قوم ضربوا اروع الامثلة في السخاء والبذل والعطاء حتى وإن كانت حالتهم المادية ضعيفة فإن الكثير منهم يدخر شيئا مما يجمعه في كل شهر لكي يحظى ويفخر ويفوز بشرف خدمة زوار الحسين (عليه السلام)
تلك الرحلة التي يمضي فيها الرفيقان الزائر السائر والزائر الخادم من يمضي سيراً على قدميه ومن يمضي خادما له ولافرق بينهما، فكلٌ يحمل قلباً ملؤه الحسين.
من يسير في طريق النجاة إلى الامام الحسين (عليه السلام) فانه واقعاً لايسير بجسمه فقط بل يسير بروحه وجوارحه ووجدانه للتعريف بالامام الحسين (عليه السلام) واهدافه السامية
ومهما تحدثنا وتعمقنا في الحديث عن طريق العشق فالكلام فيه ليس له نهاية لان العشاق يسيرون الى مصباح الهدى وسفينة النجاة وسيد شباب اهل الجنة الذي ذاب العشاق في حبه وهم بزيادة مستمرة كل سنة اكثر من التي تسبقها فأي شخص ذاك الذي اسر تلك القلوب وجعلها تسير له دون تفكير في تعب ومشقة الطريق، حقا سيدي قد جعل الله حبك في القلوب فطري، ها انت ذا، فأين من حاربك؟.
|