• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : سيناريو الذاكرة .
                          • الكاتب : اسعد عبد الرزاق هاني .

سيناريو الذاكرة

السعادة:
 كنا نجتمع حوله كأننا أولاده، وهو يفتح للنقاش كل يوم محاورة بعد الصلاة، كان السيد علي الحيدري (رحمه الله) يعرف كيف يتعامل مع الناشئة، وفي درس من دروسه، سأل الأولاد: ماذا تعني السعادة؟ أجاب أحدنا بأن السعادة تعني الزواج وتكوين الأسرة وبناء البيت، ليكون صاحب عائلة.
 أجاب الثاني: أنا أحب السفر، سعادتي أن أسافر وأهاجر لأعيش في دولة اوربية، أرى فيها الحياة. قال الثالث: أنا أرى السعادة في التخرج، ونيل شهادة عالية، وأشتغل في منصب يجعل حياتي هانئة غنية.
 طفل صغير بالنسبة للباقين ما زلت اذكر اسمه (كريم عبد الحسن)، قال: أنا أرى السعادة الحقيقية أن نديم اتصالنا بالله سبحانه وتعالى، السعادة أن يرضى الله تعالى عني، هذه هي السعادة. 

عقوق الوالدين:
 كان في كربلاء شخص مقدر عشائرياً، ويعد من الوجوه في مجلس الدواوين، رجل له هيبة عشائرية، دخل ابنه الى المجلس مسرعاً وهو حزين وقلق، همس في أذن والده وخرج، ولا أحد يعرف الخبر اليقين..!
 قال:ـ هذه المرأة حيرتني كثيراً، لا هي التي تعيش بصحتها، ولا هي التي تموت فتريحنا..! سأله أحد الحاضرين:ـ من هي؟ فقال:ـ انها أمي، حينها بكى رجل في المجلس بكاء حزيناً يؤذي القلوب، حاولوا تهدئته، فقال:ـ ليت امي تحضر لأفتديها، انا عشت عمري يتيم أمّ، أنت رجل عاق، قالها بوجهه وخرج..! وبعد هذه الحادثة، فقد الوجيه هيبته في مجالس كربلاء كلها..! 

الحجاب:
 هناك دكتورة محجبة وباحثة معروفة تؤدي بحوثها وهي متنقبة، ولم يظهر منها سوى عينيها، وقد حضرت الى العتبة العباسية المقدسة في العديد من المؤتمرات، وفي أحد مهرجانات العاصمة باغتها صحفي في مداخلة غريبة من نوعها قال:ـ أنت في بحوثك عالمة متقدمة، لكنك في حجابك متخلفة رجعية..!
 أجابته: إن الانسان في العصور القديمة كان شبه عارٍ، ومع تطور الفكر عبر الأزمنة، صار يرتدي الثياب، وما انا عليه الآن هو قمة الفكر والرقي، أما العري، فهو علامة التخلف والرجعية، ولو كان العري دليل تقدم، لكانت البهائم أكثر تقدماً..! 

قيمة الانسان:
 وقف ذات يوم الأستاذ ميرزا ابو عماد معلم الصف الاول في مدرسة المخيم، وهو يحمل ورقة نقدية (ربع دينار) قال:ـ من الذي يريدها؟ رفع الجميع أياديهم، اعادها المعلم سحقها بين يديه حتى تغيرت معالم شكلها، فسأل:ـ الآن من يريدها؟ رفع الجميع أياديهم، أعاد سحقها ورماها في سلة المهملات، وأصر الجميع على رغبتهم بأخذها.
 ابتسم المعلم حينها وقال: أريدكم أن تكونوا مثل هذه الورقة في الحياة، مهما تمر بكم الظروف او تغيركم المقادير لا تنزل قيمتكم من عيون الناس، ربما هذه الحكمة أكبر من أعماركم، لكن سيأتي يوم تذكرونها بخير.
القائد: 
 الساعات الحرجة لأي قرار مهم، يحتاج الى عقلية مهمة تعي الفارق بين ما يقتضيه الواجب وما يقتضيه الوجدان، وعندما يظهر الانسان بطبيعته الصادقة، سيهتم بإنقاذ الناس وإبعاد وحش الفاقة عنهم، حتماً سيكون هذا الانسان قد غرس في الكون فضيلة تتنامى لتصل حد انقاذ الآخرين.
:ـ سأتدبر الأمر.. قالها رجل اسمه (بوب شابان) يعمل رئيسا تنفيذيا لشركة ضخمة، تعرضت عام 2008م الى ازمة مالية حتى صارت لا تتحمل أعباء مرتبات موظفيها، وكان مقدار العجز عشرة ملايين دولار، ولهذا قرر مجلس إدارتها تسريح جزء من الموظفين، وهذا العمل سينقذ بلا شك الشركة، لكنه سيضر الكثير من العوائل، رفض هذا الرجل الذي اسمه (بوب شابان) الفكرة أساساً، وقال:ـ لابد من حل واقعي، فحل التسريح سيعرض الشركة الى أسوأ من الخسران؛ لكونه سيسبب ببطالة شريحة من العاملين وتعرض ذويهم الى العوز والجوع والخذلان، فأي نجاح هذا الذي سيقوم على حساب تعاسة الآخرين..!
 لابد من حل ينقذ الشركة دون ان يضر بمنتسب واحد، وهذا ما شجع الآخرين لتغيير طريقة تفكيرهم، البحث عن فكرة يتنفس فيها الجميع، أن يتوصلوا الى أسلوب تحمل المسؤولية من قبل الكل، وصار الاقتراح أن يأخذ كل موظف إجازة لمدة أربعة أسابيع بدون راتب في أي وقت هو يراه.
 أحسست في هذا الرجل الحب والمحبة وعبقرية القيادة، رفع شعار (الأفضل أن نعاني جميعاً بالقليل، بدلاً من أن يعاني بعضنا بالكثير) هذا الأسلوب منح الجميع الأمان، وجعلهم يحبون عملهم ويتفانون في البذل، فوفرت الشركة عشرين مليون دولار، لم يطرد انسان من عمله، هذا المدير الذي اسمه بوب شوبان لم يكن تصرفه تصرف مدير، وانما كان تصرف قائد.
 بعد أكثر من عشر سنوات حاولت أن أتصل به وفعلاً شاء الرحمن أن أحصل عليه عبر صديق مترجم، سألته عن كيفية توصله لمثل هذا القرار الجبار؟ أجابني:ـ إن الابداع القيادي يحتاج الى مكونات تربوية، يحملها الانسان هوية، فأنا تعودت أن لا أخلف وعداً أو أنكل عهدا، ومحبة عملي اكسبتني الخبرة، وبعدها سعيت أن أكون مؤثرا في قراراتي؛ لأني أرى بعين الإنسانية ومحبة الخير، تعودت على تقبل المخاطر في سبيل الإصرار على الالتزام، اهتم بشؤون الموظف وأضع شؤونه في المقام الأول، وأتصرف دائماً كقائد ولست مديراً، ودعته وقلت: شكراً لصديقي الافتراضي (بوب شوبان)..!

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=172087
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 08 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12