بسم الله الرحمن الرحيم : {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ }(1) , التطلع والبحث بروية في هذه الآية الكريمة يزيد الانسان خوفا وجزعا من الخالق سبحانه وتعالى لأنها تنبيه وتحذير. طغيان الانسان وجبروت ارادته ونوازعه الذاتية وسلطته الدنيوية تدفعه لفعل الموبقات وارتكاب المعاصي بدافع الشهوة والانتقام لا لشيء سوى لبسط نفوذه واشباع رغباته , متأتي من عدم الخوف من خالقه النابعة من قصر تربيته وانعدام وعيه واستهتاره بالقيم السماوية التي جاءت لتنظيم الحياة , فلو تمعن الانسان بوعي ودراية بالحياة بنظر ثاقب وعقل منفتح لوجدها عبارة عن رحلة قصيرة طالت ام قصرت , بعض الآيات القرآنية الدالة على وعيد البارئ للإنسان المسيء وغير السوي والتارك وراء ظهره ما رسمه له من مستقبل مجهول محفوف بالمخاطر والعقبات ,إن تخلف عن ركب الصراط السوي وطريق العدل وحقيقة الايمان {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى }(2) , تحذير واضح وصريح لمن لا يعي لنفسه واتبع هواه ونسى هدى الله الواضحة والمذكورة في كتبه السماوية , ورسائل , وصحف الانبياء والمرسلين , فركب وابحر في سفينة الهوى بدون ربان عارف وسلطان قادر ودليل واضح ليمخر في عباب الامواج والعواصف والتيارات , وسط بحر لجي هائج اضاع البوصلة وابتعد عن الهدف التي ستقود في النهاية الى الهلاك الذي لا مفر منه , كاسبا غضب العزيز القدير { وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}(3) وبذلك حدد أمره وانهى قراره فلا عودة تنفع ولا استغفار يُقبل ولا رجعة تُرتجى , الواعي من وضع هذه الحقيقة نصب عينه وجعلها سكة قطاره ودليل مسيره لآخرته ودنياه , لحظات وبعدها ينتبه الانسان لا فعاله ويستدرك مشواره بالندامة والحسرة التي لا تنفع { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ }(4) , وهنا تكمن العبرات وتسكب الدمعات فلا أمل لرجعه ولا وقت للتوبة بعد ان انهى مشواره وفقد سيطرته وتبدد أمله للوصول لذات الله ليتفيأ بظلالها ويذوب في نفحاتها ويتمتع بجناته ويغرف من رحيق عطاياه . قوة وصلابة الإرادة في تحقيق هدف الرضا ونيل المراد للتقرب لله والتفكر في خلقه وصنعه وبديع عطاياه ليست بالسهولة ,{ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}(5), حتى ينهي حياته برضا وطمأنينة ويغترف من هدايا الخالق ويجتمع مع المؤمنين في بحبوبة العيش الرغيد الذي وعدنا الله بها, فأفعال الانسان كلها محفوظة {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هذا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا }(6 ). سؤالي على ماذا يتكالب الانسان في دنيا دنية ؟تاركا خلفه جادة الصواب ونيل الرضا والعيش بطمأنينة وهو يعرف نهايته في حفرة ظلماء ينهش الدود لحمه وسؤال منكر ونكير حتى يستجدي من ضعفه {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } (7) تعسا لك ايها المغرور على ما قدمت في حياتك من سوء فعل ودناءة نفس وحب الدنيا واتباع الشهوات. فلنستذكر قدرت الله وغرور الانسان الجاحد .
المصادر
(1) 50 سورة القمر , (2)81 سورة هود , (3) 12سورة الحاقة , (4)81سورة هود ,(5)24سورة الفجر,
(6)49 سورة الكهف , (7) 24سورة الفجر .
|