• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : وبدا لهم .
                          • الكاتب : امل شبيب الاسدي .

وبدا لهم

 جلَست على رصيف الحياة، في زاوية محملة بأمواج التفكير، امتدت اناملها إلى ذلك الكتاب الذي كلما قرأت به كأنه يتحدث عنها، تطلعت بشغف إلى صفحات الايام من خلاله وقفت  على تنهيدة عند رأس السطر، فتحت عيناها بشكل ملحوظ والذي شيئا فشيئا تناقص ، حتى تلاشى بسقوط دمعتها. وجاء من أيقظها من دوامتها ،صوت رقيق التحم بحركة يد ناعمة أدخل أُنسًا وانشراحًا في نفسها قائلاً : أمي اريد ان أنام في حضنك الدافئ واستمتع بكلامك الممزوج بنكهة الحب والسلام واشم فيك عطر العروبة والحنان. وفعلا وضع رأسه في حجرها متأملًا ، ومقيدًا، فالحياة وحركاتها ومعانيها في ذلك الوجه الذي فيه سر وجوده. واما القيد ففي طلبه الذي يتهيء لقوله وفي نفسهِ خِيفة الرفض ،وسارت قافلة الحب بحوارهما الذي من خلاله يستطيع العبور إلى الضفة الثانية. قال: أمي هل توافقي على طلبي ؟

قالت : واين طلبك ؟ انت قرة العين وثمرة الفؤاد كل طلباتك نافذة .
قال :اليوم تحدثت مع والدي حول الأوضاع التي يمر بها الوطن وقد وافق على طلبي وبقي توقيعك فقط واكمل مؤكدأ وممازحًا نعم لايتحقق الطلب الا برضاك ! 
فانا اريد الالتحاق إلى جبهات القتال مع بعض أصدقائي تلبية للنداء.
قالت : متمتة وحروفها متقطعة: نعم ياولدي انا راضية ،لكنك تمر بظرف يتحتم عليك التواجد فزوجتك تحمل في احشائها طفلك البكر وهي في أيامها الاخيرة ، كيف تتركها ؟
رد عليها وهو يمازحها ويده تمر على رأسها بحنان : انت الكل بالكل ياست الكل، أني مطمئن لانها تحت رحمة الله ومن بعده انت.
قالت : ولدي سجاد الوضع مقلق والأمور شائكة والشهداء... قاطعها عفوا امي لا وقت للحديث انا سألتحق اريد دعاءك بالنصر اولا وبالسلامة ثانية. فأنا أقف خجلا إمام فتوى المرجعية لا عذر لي. 
والتحق سجاد بنشوة الشباب وفرحة الأمل بالشهادة التي تعيش وسط دمه ومرسومة في ذهنه كأحلامه. وتمر الايام والأخبار اول بأول تصل مكللة بالانتصارات وبفخر يذكرون عدد الشهداء، وهي تستمع لكل حرف يقال وينتاب القلق قلب الأم وتكسر اجنحته بالصلاة والتوسل والدعاء .  وطُرِقت الباب  تلك الليلة لقد جاء بأجازةٍ لهُ بعد فراق لم تعتد عليه العائلة، والتي قطعها مضطرا ليلتحق ثانية. 
مازال الوالد يوصيه بالوطن خيرا ومازالت الأم تناجي الله بسلامة العودة. والزوجة تحضر له مستلزماته في يومه الاخير حيث الالتحاق ليلا ، واحاطته بذراعي الامنيات بالانتصارات القريبة. وبعدها همَّ بدخول غرفة الوالدة ليودعها ودار حوار بهمس مع زوجته؛ (انها نائمة) لا احب ايقاظها اوصلي سلامي لها. وفي لحظة إغلاق الباب لا أدري كيف شعرت بخروجه ، نادته : سجاد ثلاثا لم تكتفِ تبعته لكنه للاسف لم يسمعها حيث انشغاله بكيفية اللحاق بأصدقائه الابطال الذين ينتظرونه وكذلك انشغل بوالدته لم يودعها .
وبقت عيناه منشدة إلى الباب يلتفت بين اللحظة والاخرى، ولم يمنع سواد الليل من التقاء عيناه بعينيها وهي مازالت على عتبة الدار،عاد على جسر المودة مسرعاً ينقل صوته الريح قبل خطواته أمي ، امي احتضنته بشوق واعطته شيء(ملفوفا بقطعة قماش).
قائلة: خذها معك انها تربة الحسين عليه السلام هي الأمان ياولدي.
واستمر الإعلام ينقل الاحداث وفتوى الجهاد على المسامع صداها والقلوب للقاء تهفو، والنصر املٌ يطلبهُ المجاهدون  على ساحات العز والشرف. والتقطت عدسة الإعلام الحربي صورة لسجاد، وهو يحتضن بدقة كاميرته التي تصور الحقائق وتمحو التشويش للحقيقة ،انها أنامل الشجاعة تحرك تلك الآلة بدقة متناهية لكي لايرصده الأعداء، صور لقتلاهم ، خسائرهم ،واخرى لأبطال الحشد الشعبي يعلو البٌشر وجوههم ،ليراها الناس على صفحات الجرائد لجميع البلدان، ويشهد الجميع (لسجاد) بالبطولة والتضحية من أجل العٍرض والوطن ويرسم لولده المرتقب خارطة العيش بعز وشموخ.واخرى نُشرت له يمتطي فيها الصخور ليختفي عن أنظار الأعداء وضرباتهم ,صور للأبطال تحكي عن حالهم اما النصر أو الشهادة وانشودة النصر تعزفها  أنامل السواتر التي تتجمع على قممها الابطال ، ها هو يتوغل مع رفاقه إلى العمق ليلتقط الصور لإعطاء الكلمة حقها، وبحذر شديد يتغلغل اكثر وينقل الاحداث،وفجأة جاءت صيحة الغدر لتمنعه والى الأبد من نقل الانتصارات وتوثيقها، نعم جاءت سكرة الموت واعلان الشهادة والخلود.
واسرع الابطال اليه لينقلوه إلى المكان الخاص بالراحلين إلى الجنة ويدققون النظر اليه بنظرات ممزوجة بالفرح وألم الاشتياق ، لكنها( المفاجئة) فقرار السماء لم يُصدر ، وبدا لهم انه فارق الحياة! لكنه يتمم بكلمات كتلك التي تمتمتها الوالدة حينما طلب منها الموافقة على الالتحاق، وبين التوسل والدعاء اليه وتضميد الجراحات فاح عطر الأمل بنبض القلب والعودة من جديد إلى الحياة، والملفت للنظر عدسة الكامرة مازالت حية تلتقط الصور ومازالت خيوطها تتسامر مع اصابعه وقد وجدوها صوَّرت له (نيشان الجرح) الذي أصابه في جبهات القتال، ليبقى ذكرى على مر الزمن، وتُروى حكاية بطولاته وإخوانه على الصحف والقنوات، نِعمَ الكاميرة التي صمَدت طيلة هذا الوقت ولم ينتهِ الشحن ، ولتعلم الوالدة نجى فلذة كبدها ببركة ذلك الدعاء، انها الأم ما اعظمها حينما تصنع الرجال الرجال.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=171357
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 08 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13