يمكن إيجاز المراحل التي مرت بها الشعائر الحسينية بثلاثة مراحل:
ـ المرحلة الأولى: مرحلة الإعداد.
وقد تم الإعداد لنجاح المشروع الحسيني على يد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) حيث أنه أول من أعد وهيأ الوسائل الكفيلة لنجاح هذا المشروع واستمراره وبقاءه. ومن هذه الوسائل التي أبرزها النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في حياته هي إقامة المأتم على سيد الشهداء (عليه السلام)؛فقد ذكر السيد الأميني في كتابه (سيرتنا وسنتنا) أنه عقد عشرين مأتما في ندب الامام الحسين (عليه السلام). وعليه يكون النبي (صلى الله عليه واله سلم) هو أول من بكى على سبطه عليه السلام, فيكون هذا إعدادا ممنهجا، من قبل النبي (صلى الله عليه واله وسلم).
ومن الاعداد أيضا هو اعداد الإمام الحسين عليه السلام حيث أنه خطط لنجاح مشروعه الملحمي الكبير بوسائل تبليغية, ومنها خروج النساء معه في ركب الملحمة حيث أنه لما سأل عن سبب خروجهن أجاب بقوله(عليه السلام): "شاء الله أن يراني قتيلا وان يراهن سبايا". فالامام (ع) أشار إلى أن المشروع فيه عنصران:
ـ العنصر الأول فيه التضحية والشهادة
ـ والعنصر الثاني هو عنصر الإعلام والتبليغ
وهو ماستقوم به المرأة (السيدة زينب عليها السلام وبقية النسوة) فأستصحاب النسوة بما أنه غرض تبليغي وإعلامي للمشروع سيكون شعائريا اي يدخل في شعائر المشروع بل من أساسيات الشعائر
فهذا وغيره هو إعداد للشعائر لإحياء ملحمة عاشوراء.
المرحلة الثانية: مرحلة التبليغ.
وهي مرحلة مهمة من مراحل نجاح الملحمة العاشورائية, حيث بدأت مرحلة التبليغ بنشر أحداث كربلاء وما حدث فيها من مآسي ومحن وبيانها للناس, وهذا تجسد من أول حركة جغرافية وزمنية من بعد تلك الفاجعة. حيث بدأ ركب الأسر لآل البيت عليهم السلام وخلال هذه المسيرة من كربلاء إلى الكوفة, ومن الكوفة إلى الشام, ومن الشام إلى المدينة كانو يبينون للناس حقيقة الواقعة بعد أن مارس الإعلام الأموي تغطية كاذبة على أنهم خوارج. وكذلك دور الأمام زين العابدين عليه السلام بعد فاجعة الطف في مواقف كثيرة ومشاهد عبر عليه السلام عن تلك المظلومية تصريحا تارة وتلميحا أخرى ومنها ايضا ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام):(أمرني ابي أن استأجر عشر جوار( نائحات) يندبن الحسين بمنى ايام منى"ايام الحج"). وهذه وسيلة إعلامية لإحياء عاشوراء اتخذها أهل البيت عليهم السلام لاظهار مظلومية كربلاء، وهي شعيرة من الشعائر الكاشفة عن قضية مهمة حدثت في التاريخ الإنساني.
المرحلة الثالثة: مرحلة الابقاء والصيانة.
تميز الكيان الشيعي بمميزات جعلته يتميز بها عن غيره ونستطيع ان نصطلح عليها بالثوابت وهي اربعة ثوابت مهمة:
الثابت الأول: الاعتقاد بالإمامة الإلهية: (ان الله اصطفى من خلقه أوصياء اثنى عشر وصيا يمارسون دورهم بعد النبي صلى الله عليه واله واحدا تلو الاخر).
الثابت الثاني: الخزين الكبير من الروايات التي رواها هولاء المعصومون (عليهم السلام) وقد عالجت مختلف المجالات التي يعيشها الإنسان.
الثابت الثالث: الشعائر الحسينية.
الثابت الرابع: قيادة المجتمع بعد عصر المعصومين عليهم السلام من قبل الفقهاء الذين يأخذون بايدي الناس الى الحق ورعايتهم.
وهنا نقول بما أن الشعائر الحسينية هي احد ثوابت المذهب الحق. ومعنى كونها ثابتا اي انها ركيزة من الركائز الأساسية في بناء الكيان الشيعي, وواحدة من مفردات منهجية منظومته العقائدية, وانها لاتنفك وجودا عنه. فهي كما يقول اهل المنطق (ذاتي من ذاتيات الشي، لا عرض من عوارضه). بحيث أصبح الشيعي يعرف بممارسة هذه الشعائر.
وهذا نتاج التخطيط الذي مارسه النبي (صلى الله عليه واله وسلم) واهل بيته (عليهم السلام) حيث وضعوا لبنات بناء هذا الكيان العظيم لبنة لبنة لديمومته, وتشكيل هويته العقائدية التي يتميز بها عن غيره من الوجودات الفكرية المطروحة على الساحة الفكرية للمجتمع البشري، وهذا تجسد من خلال الثابت الثالث (الشعائر) باعتباره احد وسائل حماية التشيع من الذوبان في بوتقة الافكار والرؤى الاخرى ،واثبات شخصيته المعنوية امام قسوة الحكومات المتسلطة على رقاب الناس والتي تحيط بالواقع الشيعي وتحاول تجاهله وتغييبه واقصاء وجوده من بين الناس.
و هذا الدور(دور الإبقاء والصيانة) تجسد في حركة الائمة المعصومين عليهم السلام من خلال رعاية صور الاحياء العاشورائي، كالروايات الصادرة عنهم في بيان الثواب الجزيل لمن جلس مجلسا يحي فيه ذكر الحسين (عليه السلام )، او من خلال البكاء وروايات البكاء والحث عليه بل انهم عليهم السلام هم بكوا على الحسين عليه السلام وفاجعة كربلاء، وكذلك تشجيع من ينشد الشعر في حق واقعة كربلاء، او الحث على زيارة الحسين عليه السلام مهما كانت الظروف الأمنية التي عاشها شيعة أهل البيت عليهم السلام في حقب زمنية صعبة جدا، كل ذلك هو ايجاد رابط متين وقوي الجذب بين الشيعة كأفراد وبين كيانهم العقائدي. وهذا معناه ابقاء هذا الكيان العظيم ببركة مرتكز وثابت مهم الا وهو ثابت الشعائر الحسينية.
شيخ محمود الحلي الخفاجي/ الثامن من محرم الحرام/١٤٤٢ هج
|