• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : منديل لا وقت لديه للحب  .
                          • الكاتب : محمد الكامل بن زيد .

منديل لا وقت لديه للحب 

إلى كل .. البسطاء السعداء.. أحبتي ..أطفال ملازمة داون 
ما كانت إلا صيحة واحدة حتى ارتجفت الأبدان وشخصت الأبصار ..
- هل حقا مات ..؟!
- أحقا مات ..؟!
- أمات حقا ..؟!
- هذا لا يعقل ..! لا يصدق  ..!
- إشاعة سخيفة تزيدنا إرهاقا ..
- أنا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أصدق.. 
- نعم أنا مثلك تماما..
-كلنا مثلك ..إنها الفتنة ..
- لعن الله من أيقظها 
الأقدام المتسارعة تأتي من كلّ حدب وصوب..من كل الشوارع الضيقة.. تسبقها التساؤلات المستغربة والفضول..  
- هل مات ميسي ؟
الأبواب الموصدة فتحت بعنف والشبابيك صفقت حتى أوشكت أن تقتلع من الجدران  ..
رجل أعمى ظل يستجدي في حزن شديد بعد أن أسند ظهره إلى حائط طيني قديم :
- بالله عليكم ..هل مات ميسي ؟
                                      ****
كانت تنتظره بكل الحب الذي يرسم على وجهها حكايات ألف ليلة وليلة في أول الشارع مثلما اعتادت بعد كل مباراة يلعبها..لا تحلو لها المساءات إلا برؤيته عابرا أمامها يحمل في يد حذاءه المتسخ بالطين وبيده الأخرى منديلا من مناديلها وقد زكاها برائحة عرقه.. 
هذه المرة لا تعرف ماذا يحدث معها..فحكايات ألف ليلة وليلة انمحت من خيالها كأنها لم تكن ولم تعشها..
المباراة انتهت منذ زمن ولا أحد منهم عاد من الملعب..لا الجمهور..    لا اللاعبون ولا هو .. 
ظلت تضغط بكل ما أوتيت من شدة  على منديل صغير رسمت عليه صورا وخطوطا وكلمات..ثم قالت في سرها مفزوعة:
- هل انتهت الحكاية ..؟
                           ****
الشاب صاحب اللكمة ظل جامدا ..بدا كأنه دمية من القش بين أذرع الأطفال والرجال والشيوخ ..الكل يصرخ في وجهه في هيسترية:
- ماذا فعلت؟! 
- ألم تجد غيره؟!
- أكان عليك ؟!
- إن هي إلا كرة من جلد منفوخ ..حرام عليك .. 
الشاب صاحب اللكمة لم يقدر أن يرد عليهم إلا بعد أفاقته لكمة من أحدهم فرد متلعثما:
- أقسم إني لم أقصد..أقسم أني مثلكم أحبه.. 
منذ ساعة كان شارع لعطيلة مسرحا لمقابلة بين فريق ريال مدريد وفريق برشلونة حضرها جمهور غفير على غير العادة..إنها قمة العالم..مباراة ينتظرها الجميع منذ أسبوعين..الفريقين توعدا بعضهما بعضا بعد نهاية المباراة المنقولة للفريقين الأصليين على قنوات بين سبورت.. 
كان هو من فريق برشلونة..
وكان صاحب اللكمة من فريق ريال مدريد..
                            ****
لم تستطع أن تنتظر أكثر..نار تأججت بشكل رهيب في أعماقها ولا بد لها أن تسأل عنه ..المنديل الصغير تطاير في الهواء الملوث بالأتربة وغاب وسط الزحام ..الطريق إلى الملعب مزدحمة جدا..
حين بلغته أخذتها رجفــــة عظيمـــة ثم ارتمت فوقه تبكي بحرقــــــة كطفل رضيع..لم تصدق أن كتاب ألف ليلة وليلة أغلقت صفحته الأخيرة مع إغلاق عينيه من قبل حكم المباراة..صرخت صرخة مدوية ثم انهمدت بعد أن زكاها بعرقه.. 
                                       ****
اثنان.. ليس بينهما وبين الله حجاب ..
اثنان.. الابتسامة لا تفارق محياهما أبدا ..
اثنان كان يحبهما الجميع ..
اثنان من أصحاب متلازمة داون  أو ما يعرف عند أهل حارة لعطيلة بالمنغوليين..الطيبين.. 
اثنان ..كانت هي وكان هو.. 
                                       ****
هناك خلف الأجساد المرهقة والبائسة والضائعة داخل أسوار التيه والهذيان  من ظل يسأل في خبث:
- أيمكن لمثل هؤلاء الأطفال أن يعرفوا الحب..العشق؟!




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=170680
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 16