• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أسرار البسملة .
                          • الكاتب : نرجس مهدي .

أسرار البسملة

  البسملة هذه الآية المباركة التي هي شعار القرآن الكريم، حيث إن السور القرآنية كلها تبدأ بها – ما عدا سورة التوبة - لهذه الآية خصوصية عظيمة، إذ إنها شعار المسلم في كل عمل يقوم به، ففي الحديث الشريف: «كل أمر ذي بال لم يُذكر فيه اسم الله فهو أبتر»(1).

 وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «سرقوا أكرم آية في كتاب الله (بسم الله الرحمن الرحيم) وينبغي الإتيان به عند كل أمر عظيم أو صغير ليبارك فيه»(2). كلنا يدرك حقيقة أن الله تعالى هو مبدأ ومصدر كل شيء فهو الأول والآخر والظاهر والباطن، وكل الذوات تستمد كينونتها من كينونته، وكل الصفات تستمد وجودها من وجوده، وعلى ذلك فإن تكرار البسملة أمام كل سورة وقبل كل عمل إلفات إلى هذه الحقيقة، فـ(بسم الله) هي حقيقة بدء كل شيء بالله تعالى، وبعدها تأتي الرحمة الإلهية المقرونة باسمه تعالى. (والرحمن): هذه الرحمة التي يفسرها بعض العلماء بأنها الرحمة الشاملة التي تعم المؤمنين والكافرين، والمحسنين والمسيئين على سواء.
(الرحمن): اسم مختص بالله سبحانه، فلا يطلق على غيره، لكن (الرحيم) اسم عام يطلق على غير الله تعالى أيضاً، ولكنها تعبر عن صفة خاصة، وهي الرحمة الثابتة الخاصة بالمؤمنين فقط، قال الإمام الصادق (عليه السلام): «الرحمن بجميع خلقه، الرحيم بالمؤمنين خاصة»(3).
 وكثيراً ما وردت كلمة الرحمن والرحيم في كتاب الله العزيز بصورة واضحة أو تلميحاً، كقوله: «الرحمن على العرش استوى»(4)، «إنه بهم رؤوف رحيم»(5). وأشار القرآن الكريم إلى حقيقة واضحة كوضوح الشمس، حيث قال تعالى: «ورحمتي وسعت كل شيء»(6).
 فلو تأملنا إلى حقيقة معينة، وهي أن الله تعالى له ألف اسم وصفة، من أسمائه وصفاته، فلماذا تم هذا الشعار الإلهي باختيار هاتين الصفتين بالذات؟ ومن ثم إن (الرحمة) هي من صفات الفعل(7)، ولاشك أن (صفات الذات) أعلى مقاماً من صفات الفعل؟ فيكون الجواب على ذلك:
 أولاً- إن الرحمة الإلهية ذات صلة مباشرة بحياة الإنسان والكون وكل الوجود بصورة عامة، ولولا هذه الرحمة لم يكن الإنسان موجوداً.
وثانياً- لولا الرحمة الإلهية لم تكن السماء تمنّ على الأمم ببعثة الرسل، ولولاها لما كان القرآن الكريم اليوم بين أيدينا، فكما أن الرحمة ذات صلة مباشرة بكتاب الله التكويني -أي الكون بما فيه الإنسان والحيوان والنبات- كذلك هي ذات صلة مباشرة بكتاب الله التدويني -أي القرآن الكريم-، فلم يكن إنزال القرآن الكريم وتشريع القوانين نابعاً عن حاجة الله سبحانه وتعالى وهو الغني المطلق، وإنما هي الرحمة الإلهية وراء ذلك كله، وهذا التركيز على صفة الرحمة في هذا الشعار القرآني، إلفات إلى أن الله سبحانه وتعالى -رغم كون كل شيء بيده- وهو خالق السماوات والأرضين، إلا أنه منبع اللطف والرحمة ومصدر الكرم والجود، فليلتفت كل أولئك الحكام الذين اتسموا -غالباً- وعلى مر التأريخ بالقسوة والغلظة والجبروت، وهو ليس على مستوى الدولة فحسب، وإنما على إطار المجتمع الصغير، أي: العائلة، فكل شخص ملك أزمّة الأمور في إطار معين صغيراً كان أم كبيراً، يتعدى ويغلظ ولا يراعي موازين العدل والإنصاف والرحمة، هذه الرحمة التي جعلها الله تعالى لكتابه الكريم شعاراً، وللمسلمين منهجاً ومسارا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البحار: (ج89/ ص242).
(2) الميزان: (ج1/ ص23/ ط3).
(3) نور الثقلين: (ج1/ ص12).
(4) (سورة طه: الآية: 5).
(5) (التوبة: آية: 117).
(6) (الأعراف: 156).
(7) صفات الفعل هي تلك الصفات التي تنتزع من مقام الفعل، ويمكن إثباتها للذات وسلبها تارة أخرى: كالخالقية، والرازقية، ونحوهما. أما صفات الذات فهي تنتزع من مقام الذات، ولا يصح سلبها مطلقاً كالعلم والقدرة ونحوهما.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=170247
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14